النهار24 .
يعتبر ورش إصلاح التعليم الورش الثاني الذي حظي باهتمام الدولة المغربية بعد قضية الوحدة الترابية . بعد مسلسل طويل وسوريالي من الإصلاحات وإصلاح الإصلاح فشلت جميع الحكومات، التي بادرت إلى إيجاد حلول لمشلكة التعليم الذي يعتبر قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في إيجاد حلول ناجعة التي أرّقت المغرب شعبا وملكا وحكومة. إن المتتبع لتاريخ الإصلاح بالمغرب سيلاحظ أن عملية التعريب التي قادها عزالدين العراقي نهاية السبعينات من القرن الماضي كانت السبب الرئيسي في انتكاسة المنظومة التربوية المغربية. لقد قام حرّاس المعبد القديم بتقويض كل المحاولات التي سعت إلى إصلاح التعليم العمومي ونجحت في ذلك؛إلى درجة كانت حقيبة التعليم العالي بمثابة لغم.إّذ لم تكن لدى الوزراء الذين اضطلعوا بتدبير ملف التعليم الجرأة والشجاعة الكاملة ليقولوا للشعب المغربي “إن الذين عرّبوا التعليم العمومي، لا يريدون خيرا لأبنائكم .و لم يكن بمقدورهم القول إن النخبة السياسية التي دافعت عن التعريب إنما كانت تستهدف السواد الأعظم من هذا الشعب الطيب . جرت مياه كثيرة تحت جسر الإصلاح وإصلاح الإصلاح ولكن دون جدوى. التي أن تحمّل الأستاذ سعيد أمزازي هذه المسؤولية الجسيمة، فكانت البداية الحقيقة لإعادة ترميم منظومة متهالكة من خلال مكاشفة المغاربة ومصارحتهم بالواقع المرّ،معلنا بذلك نهاية تجربة تعريب العلوم والعودة إلى تبني تدريسها باللغات الأجنبية؛واضعا الأصبع في مكمن الداء .
لقد لاحظنا ،ونحن نتابع ما يكتب في الصحافة الوطنية والورقية حول هذا الإصلاح الذي سينقد البلاد والعباد من السكتة القلبية بتعبير المرحوم الحسن الثاني، معاول الهدم توجه لهذا المشروع الطموح من قبل نخبة التعريب التي غيّرت أدواتها وأسلوبها جاعلة من اللغة العربية قميص عثمان.علما أن جميع المهتمين بالشأن التربوي يدركون “أنه حق يراد به باطل “. كما انتبهنا إلى كون هذه الأصوات الأنفصامية تتربص بالسيد الوزير وتسعى إلى اقتناص الفرص من أجل الانقضاض عليه وكذلك كان … حيث تأتى لها ذلك بعد نازلة لحن الوزير سعيد أمزازي لكلمة “المتوّجين والمتّوجات”. وهي واحدة من الطرائف التي قد تحدث حتى لمنْ يمتلك ناصية اللغة العربية من ذوي الاختصاص، وما بالك بوزير تخصصه البيولوجيا وله باع كبير في هذا العلم الحيوي الذي ينتفع منه المجتمع والإنسانية جمعاء.
1- اللغة العربية أعقد اللغات السامية :
تعتبر اللغة العربية من أعرق اللغات السامية وأعقدها صرفا وتركيبا وأكثرها غنى من حيث المادة المعجمية المولدة. وقد صنفت من أصعب اللغات الطبيعية بعد الصينية والكورية واليابانية. ولا شك أن سبب هذه الصعوبة يعود بالأساس إلى كونها موغلة في القدم ولازالت تحتفظ على بعض الخصائص المورفوتركيبة التي ميزت اللغات القديمة التي انقرض أغلبها .نذكر منها على سيبل المثال لا الحصر خاصية الإعراب و العاملية. إن لغة الظاء- وليس الضاد كما هو شائع لأن فونيم الضاد موجود في العديد من اللغات منها اللغة الأمازيغية- كما هو معلوم، لغة تعتمد الشبكة الإعرابية والشكل القائم على هندسة الحركات شأنها في ذلك شأن الأكادية والعبرية القديمة والفصيلة السامية بشكل عام.ومن الثابت أن الإعراب مرتبط بالعاملية التي تعتبر المحرك الأساسي للغة العربية. من الناحية الوظيفية لا يمكن للمعنى أن يتحقق إلا من خلال ضبط الشبكة الإعرابية والتمكن من مكونات العامل (العامل والمعمول والاثر).وهو أمر صعب المنال حتى بالنسبة لأهل الاختصاص. لذلك وٌجد اللحن ( الزلة أو الخطأ اللغوي) لذى العرب أنفسهم منذ القدم.وقيل إن اللحن ظهر أول ما ظهر في عهد النبي (ص).فقد رٌوي أن رجلا لحن بحضرته. فقال الرسول “أرشدوا أخاكم فقد ضل”.
أما في الوقت الراهن، فلن نبالغ إن قلنا إن فحصا دقيقا لأطروحة جامعية في تخصص اللغة العربية بمختلف مستوياتها قد يفضي بنا إلى حصر عدد كبير من الأخطاء النحوية والإملائية والأسلوبية…وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لأهل الاختصاص، الذين قضوا سنوات يدرسون هذه اللغة الموغلة في القدم، فما بالكم بالوزير أمزازي الذي لم يدرسها منذ الباكلوريا.وقضى سنوات من عمره بين المختبرات
2- مشروع تيسير العربية :
استنادا إلى خصائص اللغة العربية وما تتميز بها العملية التعليمية والتعلمية من صعوبة بسبب الإعراب الذي يعتبر معضلة حقيقية،قام النحاة اللغويون العرب منذ وقت مبكر إلى محاولة بعض الأعطاب لجعل اللغة العربية لغة ميسرة في متناول المتعلم.حيث لم يألٌ الاقدمون جهدا في النظر إلى هذه المعضلة.منهم ابن جني وابن مضاء القرطبي الذي أدرك صعوبة النحو العربي وضرورة تيسيره و رد على النحاة القدامى وقام بترميم جذري للعاملية.كما ارتفعت الشّكاة من النحو العربي وقواعده خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي لاسيما بعد رجوع الكوكبة الاولى من الدول الأوربية نذكر منهم أنيس فريحة الذي دعا إلى إلغاء الإعراب.دون أن ننسى موقف الاستاذ عبد الله العروي الذي نادى في أكثر من مناسبة إلى تيسير اللغة العربية.
3- الوزير سعيد أمزازي عالم البيولوجيا وليس أستاذا للغة العربية :
بسبب عقم الإعراب ،ولكونه لم يطلع على نص الخطاب قبل تلاوته ارتبك الوزير سعيد أمزازي في نطقة لفظتي “المتوجين “والمتوجات” اللتين تعتبران من الألفاظ المستحدثة في معجم اللغة العربية المعاصرة،حيث ظهرت في مجال الرياضة لتنتقل بعد ذلك إلى مجال التعليم حديثا.من المعروف من مفردات من قبيل : الناجحون والناجحات ، والمتفوقون والمتفوقات والفائزون والفائزات هي المفردات الأكثر شيوعا في مجال التعليم.
إن تلعثم الوزير سعيد أمزازي في كلمتين قلما تستعملان في حقل التربية والتعليم لن تزيل عن صفة الكفاءة العلمية والتجربة البيداغوجية الطويلة في مجال التعليم العالي.لقد كنا نسمع عن ذكائه من خلال اصدقائنا منذ كنا طلبة في مراكش حيث كان يدرس في السلك الثالث بكلية العلوم السملالية بمراكش.
إن الرجل يملك في رصيده العلمي حوالي 70 مقالة وبحثا علميا رصينا في مجلات مفهرسة وفي سكوبيس،فضلا عن المسؤوليات العلمية والبيداغوجية التي اضطلع بها يضيق المجال لبسطها هنا.
إن لحن (ارتباك)الأستاذ سعيد أمزازي كان سيصنف في خانة الطرائف العابرة، لكن استغلال الكتائب الإلكترونية المعادية لتوجهات أعلى سلطة في البلاد ،التي يسهر الوزير سعيد أمزازي على تنفيذها، جعلت من زلّة لسانه قميص عثمان ،فانتهز النمل الإلكتروني، الذي يتلقى الأوامر من كبيرهم السكيزوفريني الذي علّمهم السحر، الفرصة للاقتصاص من السيد الوزير بسبب غيرته ووطنيته وشجاعته على جر البساط من تحت أقدام المرتزقين باللغة العربية بوصفها ملكا مشتركا لجميع المغاربة. وقد استنفرت هذه القوى المحافظة كل أجهزتها اللوجيستيكية و الإعلامية بما فيها قناة الجزيرة التي تعتبر بوق الإخوان المسلمين الذين دأبوا على الارتزاق بثوابت الأمة.حملة مغرضة قادتها الكتائب التي تمرّست على مثل هذه القذارة وترعرت عليها منذ سنوات ضد وزير أعزل همه إنقاذ التعليم العمومي من الموت السريري.
خير ما نختم به هذه الورقة، قوله تعالى عن المنافقين المتلونين :
” ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسَهم إن الله لا يحب من كان خوّانا أثيما . يَسْتخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذْ يُبيّتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا. ها أنتمْ هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل اللهَ عنهم يوم القيامة أم منْ يكون عليهم وكيلا” النساء .