النهار24.
في سياق إقليمي هش، يتسم بتكثف التهديدات الجهادية في منطقة الساحل وجنوب البحر المتوسط، أعلنت السلطات الإسبانية في إقليم الباسك، قبل أيام، عن إيقاف عناصر تابعة لـ “بوليساريو”، على رأسهم ابن الديه النوشة، ممثل الجبهة السابق في بلنسية، وكذلك حفيد أخ “سفير” هذا الكيان بالجزائر، خطري أدوه، بتهم تتعلق بالتعاون مع منظمات جهادية وتمجيد الإرهاب، في إطار عملية دقيقة نفذتها أجهزة مكافحة الإرهاب، استنادا إلى معطيات استخباراتية موثوقة تكشف، مرة أخرى، عن الوجه الخطير لعلاقة “بوليساريو” بالمجموعات الإرهابية، التي تنشط في المنطقة.
وتزامن إيقاف أولئك المتطرفين مع تزايد التحاق شباب المخيمات بالمجموعات المسلحة في الساحل. فخلال الأشهر القليلة الأولى من هذه السنة، تم تسجيل انضمام أكثر من خمسين شابا من قاطني المخيمات بهذه المجموعات القتالية، أغلبهم مروا عبر مسالك تجنيد وتدريب في مراكز عسكرية تابعة لـ “بوليساريو”، وخاضعة لإشراف الجيش الجزائري، ما يؤكد أن ما يحدث ليس طفرات معزولة، بل جزء من بنية أمنية موازية، وظيفتها الأساسية تصنيع وكلاء ميدانيين للمخابرات الجزائرية، يخدمون إستراتيجية فوضى مضبوطة توظف كلما دعت الحاجة إلى إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي بالمنطقة.
ولا يمكن فصل هذه الطفرة الملحوظة في أعداد المجندين من المخيمات في صفوف الجماعات المسلحة، عن البنية الموبوءة التي تميز واقع الحياة على أرض “لحمادة”، حيث القابلية البنيوية للاختراق الأمني والعقائدي، في ظل هشاشة اجتماعية عميقة، وغياب أي أفق ينهي واقع الحصار المفروض على المخيمات، جعلتها بيئة مثالية لتسلل سرديات التطرف والتجنيد الإيديولوجي، في غياب المناعة النفسية والعقائدية، وانتشار مساجد أصبحت منصات نشطة للتعبئة العقائدية المتطرفة، تعمل على بث خطاب جهادي تعبوي يستثمر في الإحباط الاجتماعي والتذمر، الذي ينهش أوساط الشباب داخل هذه المخيمات.
ويأتي في صدارة هذه البؤر مسجد علي بن أبي طالب، بمخيم الداخلة، الذي تحول إلى نقطة سوداء في خارطة التجنيد الإيديولوجي، تحت إشراف المدعو المامي أخليل، الذي يحظى، وفقا لمصادر متقاطعة، بحماية خاصة من الأجهزة الأمنية الجزائرية، التي تعتمد عليه حلقة وصل في شبكة التجنيد والتنسيق، العابرة للحدود، في إطار علاقة وظيفية يشكل من خلالها امتدادا عضويا لإستراتيجية أمنية جزائرية تعتمد التسلل العقائدي وسيلة للتحكم غير المباشر في تحولات الجماعات الجهادية بالساحل.
وإذا علمنا أن الجزائر تمسك فعليا بكل مفاصل الحياة في مخيمات تندوف، وتفرض رقابة صارمة على كل ما يدخل إليها ويخرج منها، فإن صمتها المريب تجاه هذا النشاط التجنيدي المتطرف يسقط عنها آخر أوراق التبرير، ويجعل من فرضية التواطؤ المباشر أكثر من مجرد شك، بل قناعة راسخة تتكرس بتكرار الوقائع وتراكم الأدلة. فالحديث لم يعد عن حالات معزولة، بل عن بنية قائمة على غض الطرف، إن لم نقل الرعاية، لما يشبه حاضنة مفتوحة للتطرف العقائدي، تستثمر في الوقت المناسب ورقة ضغط إقليمية.
لكن الصورة تزداد قتامة حين نتأمل نماذج حية خرجت من رحم هذا الواقع المختل، وعلى رأسها اسم مثل عدنان أبو الوليد الصحراوي، الذي تحول إلى أحد أبرز قادة التنظيمات الإرهابية في الساحل، باعتباره نتاجا طبيعيا ومباشرا لمنظومة متكاملة من التكوين الراديكالي والتدريب العسكري، بدأت فصولها الأولى داخل مخيمات تندوف، قبل أن يعاد توجيهه ميدانيا نحو شمال مالي، ليصبح مساره تجسيدا للرغبة الجزائرية في توسيع رقعتها الأمنية، عبر تصدير الفوضى، مستخدمة ورقة الإرهاب أداة للمساومة ووسيلة للنفوذ الإقليمي.