النهار24.
بعد إعلان الملك محمد السادس نصره الله وأيده عن إحداث عيد الوحدة يوم 31 أكتوبر، خلد الشعب المغربي الذكرى 50 للمسيرة الخضراء المظفرة، في ظل هذا الحدث التاريخي المتعلق بقرار مجلس الأمن اعتماد الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والطي النهائي للقضية، وهو الشيء الذي يشكل امتدادا للملحمة الوطنية الخالدة التي أبدعتها عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني، واستكمل مسارها الملك محمد السادس بحكمة قل نظيرها في رجال الدولة الكبار، ونجاحه الذي اعترف به قادة العالم في إدارة النزاع برؤية استراتيجية تحقق طموح وآمال الشعب المغربي ومن خلاله آمال شعوب المنطقة.
إن المسيرة الخضراء التي حفرت اسمها في التاريخ، تعتبر واحدة من أنجح التجارب السلمية في تحرير الأرض دون رصاصة واحدة، وذلك اعتمادا على قوة الإيمان بالوحدة الترابية والشرعية التاريخية، والالتحام بين الملكية والشعب، لتخطي كافة الصعاب والخروج من أعقد الأزمات أكثرة قوة وصلابة وانتصارا للحق والصالح العام، وحسن الجوار والسعي دوما لأن يعم السلام المغرب العربي وإفريقيا وباقي المناطق بالعالم.
ولم يعد الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء لدى المغاربة مجرد مناسبة تاريخية، بل هو محطة للتأمل في أبعاد المشروع التنموي الضخم بالصحراء المغربية، التي تحوّلت في عهد الملك محمد السادس وإعلان عيد الوحدة إلى مركز جذب استثماري واقتصادي، وتشكل بوابة استراتيجية نحو إفريقيا، القارة الواعدة التي تُعد مستقبل الغذاء والدواء في العالم، وهذا العيد اليوم في صلب الرؤية المغربية للتعاون وفق المعادلة التي أبدعها ملك المغرب رابح – رابح.
ومن خلال اليد الممدودة للجزائر، يجدد الملك محمد السادس التأكيد على خيار الحكمة والسلام، وتغليب منطق الحوار وتجنب الاصطدام الذي لا يخدم شعوب المنطقة، بل يُهدد الأمن والاستقرار، ما يجعل المغرب وهو ينتصر في معركة الوحدة الترابية وفق الشرعية الدولية وقرار مجلس الأمن، لا يسعى للغلبة ولا إثارة الفتن، بل لبناء عمل مشترك من أجل مواجهة التحديات الحقيقية المتمثلة في البطالة، والفقر والهشاشة، وتغيّر المناخ، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن روح المسيرة الخضراء وعيد الوحدة، ليسا فقط استرجاعا للأرض، بل نموذجا مغربيا عبقريا متجددا في البناء والتنمية والتعايش، يجمع بين عبقرية الماضي وحكمة الحاضر، من الحسن الثاني رحمه الله والمسيرة إلى محمد السادس نصره الله والوحدة، في مسار متواصل نحو مغرب موحد قوي، من طنجة إلى الكويرة، ينفتح على محيطه للتعاون الاقتصادي وبناء علاقات مع الجميع شرط احترام السيادة المغربية، ويقود القارة السمراء نحو مستقبل مشترك أفضل.
وتجدر الإشارة إلى أن التزام ملك المغرب باليد الممدودة تجاه الجزائر لا يعكس فقط حرص المملكة على تجاوز الخلافات المفتعلة، بل يترجم وعيا عميقا بفرصة تاريخية لبناء المغرب العربي الكبير، الذي ظل لعقود رهين الجمود السياسي والعقليات المتحجرة والتوترات الثنائية. لذلك فإن إحياء العلاقات المغربية الجزائرية وفتح صفحة جديدة من التعاون، لن يكون انتصارا لطرف على آخر، بل سيكون انتصارا لشعوب المنطقة كافة التي تتقاسم التاريخ واللغة والدين والمصير المشترك.
نحن اليوم أمام لحظة تاريخية، يجب على الأطراف أن تتحمل فيها مسؤوليتها لمواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية، وحسن استثمار المرحلة في إعادة بعث مشروع المغرب العربي على أسس التعاون الاقتصادي والتكامل التنموي، بدل إهدار الفرص في نزاعات وهمية، لا تخدم إلا أعداء الاستقرار.
لقد آن الأوان لأن تنتقل المنطقة الإقليمية من منطق التجاذب إلى منطق البناء المشترك، لتحقيق وحدة الشعوب المغاربية حول تنفيذ مشروع حضاري مشترك، قوامه التنمية والكرامة والاستقرار، وهذا ما تدفع إليه المملكة المغربية باستمرار بقيادة حكيمة لاتعرف غير لغة السلام والأخوة وترسيخ علاقات رابح – رابح


















