النهار24 .
تسير كل الأحداث في اتجاه الطي النهائي لنزاع الصحراء، بينما لا تزال “بوليساريو” تعيش صنمية الأفكار والمواقف، ليس لأنها لا تدرك مجرى الأحداث، التي تصب، دون شك، لصالح المغرب، بل لأنها محرجة من الإقرار بفشلها المزمن في تحقيق أي مكسب لفكرتها الانفصالية. وها هي اليوم تجد نفسها محاصرة بسيل من المواقف الداعمة للمغرب ولمقترحه بمنح إقليم الصحراء حكما ذاتيا، ومعها عرابوها من عسكر بن عكنون، الذين، هم أيضا، عاجزون عن الوقوف في وجه هذا التيار الجارف، دعما لسيادة المغرب على الصحراء، والذي لن يترك وراءه إلا ركام جبهة كان صانعوها يظنونها ورقة جيوسياسية ستبقى رابحة إلى الأبد.
استقبل إبراهيم غالي وزمرته المبعوثَ الأممي ستافان ديمستورا، قبل أيام، وأخذوه في جولة تباك بين المخيمات على أرض لحمادة، لعل الرجل يبدي تعاطفا مع طرحهم المتآكل، وهو الذي خبر منعرجات السياسة الجزائرية، وكيفية تأثيرها في كل شاردة وواردة بالرابوني.
غير أن ديمستورا ما لبث أن خرج، أياما قليلة بعد ذلك، ليؤكد، من خلال الإحاطة التي قدمها لأعضاء مجلس الأمن بنيويورك، ما أصبح موضوع قناعة عند عامة الصحراويين بالمخيمات، وهو أن الفرصة الوحيدة التي تبقت لحل مشكل الصحراء تكمن بالأساس في اعتناق فكرة الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، معلنا، في هذا الإطار، أمام أعلى هيأة أممية، عن استحالة مسألة التقسيم التي كانت الجزائر تحلم من خلالها بالوصول إلى شاطئ المحيط الأطلسي، عبر الداخلة، وعدم واقعية تشبث “بوليساريو” بالاستفتاء، قبل أن ينطلق في الثناء على النتائج الباهرة التي حققها اعتماد الحكم الذاتي لحل عدد من النزاعات، ويذكر بثناء مجلس الأمن على المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والدعم الذي تلقاه عالميا، ويطمئن جميع الفاعلين بأن المغرب يظهر استعدادا للتفصيل فيها، وكأن ديمستورا في عرضه، أمام مجلس الأمن، يخاطب الصحراويين على تراب لحمادة، ويقول لهم إن حال الارتهان لـ “بوليساريو” يجب أن ينتهي، وليس للصحراويين سوى كسر حاجز الخوف الذي يحاصرهم بالمخيم، والالتحاق بأبناء عمومتهم بالعيون والسمارة والداخلة، لينعموا معهم برغد العيش الذي رآه ديمستورا حقيقة على أرض الواقع خلال زيارته للصحراء.
كل هذه التطورات تفرض، بلا شك، الفصل والتمييز بين قيادة الرابوني، التي تسارع إلى دس رأسها في التراب، والتغني بانتصارات وهمية، وبين باقي الصحراويين الذين ضاقوا ذرعا بظروف عيشهم المأساوية المفروضة عليهم، بالحديد والنار، على التراب الجزائري، وباستمرار مسلسل الكذب الذي لا ينتهي، في ظل قيادة معزولة عن الواقع الذي لا يحتاج الكثير من الجهد لإدراكه.
فالواقع يقول إن “بوليساريو” تتفتت، وانهيار أطروحتها لم يعد يترك لها هامشا أوسع للمناورة والاستمرار في ذر الرماد بعيون نساء وشباب وشيوخ المخيم، الذين تملكوا أدوات التحليل الكافية ليفهموا أنهم كانوا يجرون وراء سراب كبير اسمه “دولة صحراوية”.
وهاهو ديمستورا نفسه، يسير على نهج المبعوث الهولندي فان فالسوم، ويخرج عليهم ليقول، في خطاب واضح وصريح، أمام كل أعضاء مجلس الأمن، بما فيها الجزائر التي انهارت منظومة دفاعها الكاذبة عن صنيعتها “بوليساريو”، إن مقترح الحكم الذاتي هو الطريق الأنجع لحل النزاع، ويؤكد، بما لا يترك مجالا للشك، أن صولات وجولات دبلوماسيي المرادية بأروقة الأمم المتحدة، ليست سوى سكرات الموت الذي بدأ يدب في جسد نظام عسكري مسكون بعقيدة الكراهية ضد المغرب.
وإذا كانت إحاطة ديمستورا أمام أعضاء مجلس الأمن بمثابة رصاصة الرحمة في جسد “بوليساريو”، الذي يحتضر، فإن توالي المواقف الداعمة للمغرب يشكل، بالتأكيد، تأسيسا لمرحلة جديدة ستشهدها الصحراء، والتي تحمل معها مستقبلا واعدا للصحراويين بهذه الأقاليم.
وهو ما بدا جليا من خلال الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية، والذي أثار رجة حقيقية في أفهام سكان المخيمات، الذين وجدوا في الموقف الرسمي المغربي ارتياحا واضحا لاعتراف فرنسا بسيادته على الصحراء، وما سبقه من مواقف من إسبانيا وألمانيا وفنلندا وأمريكا، وغيرها من البلدان الأوربية، التي لم تعد تغازل الجزائريين بخطاباتها، التي كانت تحركها، إلى زمن قريب، مصالحها الاقتصادية. وكأن هذه البلدان ترسل اليوم رسالة للجزائريين مفادها أن زمن الابتزاز بورقة الغاز والبترول انتهت، وأن الاستثمار في علاقة متينة مع المغرب سيكون الخيار الآمن بالنسبة إليهم، أمام نظام عسكري مريض بمعاداة جيرانه. وهي في الوقت نفسه رسالة للصحراويين بتندوف، بأن وتيرة الانتقال لواقع جديد قد تسارعت، وليست إلا مسألة وقت ليصبح مقترح الحكم الذاتي حقيقة على الأرض، ولن يكون لـ “بوليساريو” آنذاك إلا التحول إلى عصابة إجرامية مطاردة في صحاري الساحل، وسيكون الجزائريون أول من يطاردها، بعد أن كانت ورقتهم التي يلعبون بها لعبتهم الرعناء ضد جارهم المغرب .