النهار24.
في خطوة تجسد العناية الملكية السامية بشؤون الدين والدنيا، وجّه أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، نداءً ساميًا إلى شعبه الوفي، يدعو فيه إلى عدم القيام بشعيرة عيد الأضحى لهذه السنة، وذلك استحضارًا للظروف المناخية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، والتي أثرت بشكل مباشر على القطيع الوطني، ورفعت من تكاليف الأضحية، مما قد يُثقل كاهل العديد من الأسر، لا سيما ذات الدخل المحدود.
إن قرار الملك محمد السادس، باعتباره أمير المؤمنين، يأتي من صميم التعاليم الإسلامية التي تُرسّخ قيم التيسير ورفع الحرج عن الناس، وهو تجسيد عملي لمبدأ “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”. فالأضحية في الإسلام سنة مؤكدة وليست فريضة، وهي مشروطة بالاستطاعة، استنادًا لقوله تعالى: “لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ” (الحج: 34)، وهو ما يدل على أن شرط الرزق والاستطاعة أساسي في إقامتها.
وقد سار هذا القرار على نهج رسول الله ﷺ الذي قال: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم”، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يذبح الأضحية إلا عن نفسه وأمته، في تأكيد واضح على أن الأضحية ليست واجبًا على كل فرد، بل هي شعيرة تخضع لمقتضيات المصلحة الشرعية والمقدرة المالية.
هذا القرار ليس فقط مبادرة دينية، ولكنه أيضًا تعبير عن رؤية سياسية حكيمة، تُراعي الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. فالأزمات المناخية، ولا سيما الجفاف الذي أثّر على الموارد الفلاحية، والظروف الاقتصادية التي أرهقت المواطنين، جعلت الأضحية عبئًا على العديد من الأسر المغربية.
وهنا يبرز البعد الاجتماعي في القرار الملكي، إذ إن التوجيه بعدم القيام بالأضحية يهدف إلى التخفيف من الضغوط الاقتصادية، والحيلولة دون لجوء البعض إلى الاستدانة أو الوقوع في ضائقة مالية بسبب الشعور بالإلزام الاجتماعي. فالشريعة جاءت لتحقيق مقاصد عظيمة، ومنها حفظ المال وعدم تحميل الناس ما لا يطيقون.
من منطلق السياسة الشرعية، فإن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وقرار الملك محمد السادس يستند إلى قاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، حيث إن المصلحة العامة تقتضي حماية الثروة الحيوانية الوطنية، وتخفيف الضغط الاقتصادي على المواطنين، خصوصًا في ظل السياق العالمي المضطرب اقتصاديًا وبيئيًا.
كما أن هذه المبادرة الملكية جاءت لتؤكد على أهمية التوازن بين الحفاظ على الشعائر الدينية وبين الظروف الواقعية، بما يتماشى مع روح الشريعة التي جاءت رحمة للعالمين، لا تكليفًا أو مشقة.
رغم التوجيه بعدم القيام بالأضحية، فإن القرار الملكي أكد على أهمية إحياء العيد بطقوسه الروحانية، من صلاة العيد وصلة الرحم، والإنفاق في وجوه الخير، وهذا يعكس البعد الإنساني والاجتماعي للإسلام، حيث تظل القيم النبيلة مثل التراحم والتكافل حاضرة بقوة في المجتمع المغربي.
كما أن المبادرة الملكية بأن يقوم الملك بذبح الأضحية نيابة عن شعبه، تعكس رمزية دينية مستوحاة من فعل النبي ﷺ، وتعزز اللحمة الوطنية بين القيادة والشعب، حيث يتجسد البعد الروحي للدولة في ارتباطها العميق بمقاصد الشريعة الإسلامية وبمصلحة الأمة.
قرار الملك محمد السادس بعدم القيام بشعيرة الأضحية لهذا العام هو درس في الاجتهاد الشرعي المسؤول، والسياسة الحكيمة التي توازن بين الشعائر الدينية والمصلحة العامة. وهو يكرس مكانة المغرب كبلد ينهل من تعاليم الإسلام السمحة، ويطبقها في سياقها الواقعي، بما يحقق مقاصدها الكبرى في التيسير والتكافل الاجتماعي.
وفي ظل هذا التوجيه الملكي، تبقى رسالة العيد قائمة في جوهرها، إذ أن الأعياد في الإسلام ليست فقط مناسبات للفرح، بل أيضًا محطات للتأمل والتضامن، وهو ما يجسده هذا القرار الذي يضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار