النهار24.
تعتبر المملكة المغربية، بتاريخها العريق وحضارتها العميقة، نموذجًا متفردًا في التلاحم بين العرش والشعب، حيث ظلت الأسرة العلوية الشريفة دعامة أساسية لاستقرار البلاد وضمان وحدتها، فمنذ تأسيس الدولة العلوية، حمل الملوك العلويون على عاتقهم مسؤولية الحكم استنادًا إلى شرعية تاريخية ودستورية متجذرة في البيعة، التي تعد ركنًا أساسيًا في العلاقة بين العرش والشعب، بحيث عرفت المملكة المغربية الشريفة، تحت قيادة الأسرة الشريفة، مسارًا حافلًا بالإنجازات، عمل من خلالها الملوك العلويون على ترسيخ أسس الدولة الحديثة، مع الحفاظ على الهوية الوطنية والقيم الدينية والثقافية،
وفي ظل كل التحديات والمتغيرات التي يشهدها العالم، ظل المغرب وفيًا لنهجه القائم على التوازن من خلال الحكمة والتبصر في اتخاذ القرارات المصيرية، بما يحقق المصلحة العليا للأمة، ويضمن الأمن والاستقرار.
ترى إلى أي حد يعكس قرار إلغاء شعيرة عيد الأضحى في بلدنا التوازن بين الالتزام بالقيم الدينية والاستجابة للضرورات الاقتصادية والاجتماعية؟
1} المؤسسة الملكية ضامن للاستقرار والأمن والاستمرارية.
تستمد المؤسسة الملكية شرعيته من البيعة في الدين، والتعاقد في الفقه الدستوري، بحيث نص الفصل 41 من الوثيقة الدستورية للمملكة المغربية الشريفة لسنة 2011 أن “الملك، أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية” وهو الأمر نفسه أكده الفصل 42 من نفس الوثيقة الدستورية أن “الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو الساهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.
الملك هو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.”
وبالتالي من هذا المنطلق، تتجسد هذه المسؤولية في التوجيهات الملكية التي تتجاوز البعد الرمزي لتعكس الشرعية في التدخل الفعلي بغيت تحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطنين، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأمني.
وفي السياق نفسه، فإن هذا القرار ليس وليد اللحظة في تاريخ المملكة المغربية الشريفة، فقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، أن أعلن إلغاء شعيرة عيد الأضحى، مراعاةً للظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها البلاد آنذاك وهو ما يؤكد أن المؤسسة الملكية كانت ولا تزال السند الذي يحرص على حماية المغاربة والتخفيف عنهم في الأوقات العصيبة، بما يعكس روح الحكامة الرشيدة والتضامن العميق بين العرش والشعب، وهو الاطار الذي جاء فيه قرار الملك محمد السادس نصره الله، بإلغاء شعيرة عيد الأضحى كتدبير استثنائي يأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة، خصوصًا في ظل التحديات الراهنة.
2} الرؤية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحكيمة
يعكس قرار أمير المؤمنين نصره الله، بُعدًا استراتيجيًا يعبر عن حكمة ورؤية اقتصادية متبصرة، تأخذ بعين الاعتبار الظروف المالية للمواطنين، خاصة الفئات الهشة والمتوسطة، التي لم تستطع تحمل الوساطة في تدبير حياتها اليومية، ففي ظل التحديات الاقتصادية التي قد تؤثر على القدرة الشرائية، يأتي إلغاء هذه الشعيرة لتخفيف الضغط المالي على الأسر وحفظ كرامتهم، مع توجيه الإمكانيات نحو أولويات أكثر إلحاحًا، مثل الأمن الغذائي والتنمية الاجتماعية التيتخدم مصالحهم أكثر.
وعلى المستوى السياسي، يجسد هذا القرار نهج الملكية في تسيير شؤون البلاد بواقعية ومرونة، تساير التحولات العالمية والداخلية، فالاستجابة السريعة لمتطلبات الواقع تعكس حكمة القيادة في اتخاذ التدابير المناسبة لحماية الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمواطن المغربي.
أما من الناحية الاجتماعية، فإن هذا القرار ينسجم مع فلسفة التضامن والتكافل التي يقوم عليها المجتمع المغربي، حيث يدفع إلى إعادة النظر في الأولويات وإرساء ثقافة استهلاكية متوازنة تراعي الإمكانيات الحقيقية للأسر، بدلًا من إثقال كاهل المواطنين في ظروف استثنائية.
ونافلة القول، يأتي توجيه صاحب الجلالة نصره الله بإلغاء شعيرة عيد الأضحى ليؤكد مرة أخرى الدور المحوري الذي تضطلع به المؤسسة الملكية في حماية مصالح المواطنين وضمان الأمن والاستقرار.
كما يعكس هذا التوجيه إلتزامه الراسخ بمواصلة نهجه الحكيم في قيادة البلاد وفق رؤية اقتصادية واجتماعية متبصرة، تجعل المواطن في صلب الاهتمامات، ويسعى إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية وبين متطلبات الواقع الاقتصادي.