النهار24.
في خضم التحولات العميقة التي يشهدها المغرب، تبرز المؤسسة العسكرية كفاعل استراتيجي محوري في المشروع الوطني الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، اختيار تسمية فوج الضباط الجدد باسم “أحمد المنصور الذهبي” ليس مجرد التفاتة تاريخية، بل هو إعلان رمزي قوي عن مرحلة جديدة عنوانها التأصيل والتمكين.
نعم هو كذلك ، فالسلطان المنصور الذهبي، الذي ارتبط اسمه بالقوة والحكمة، يتحول هنا إلى مرجعية للقيادة والانضباط والقدرة على بناء نموذج مغربي متفرد.
هذا الاختيار يأتي في سياق خطاب العرش الذي رسم معالم مغرب المستقبل، مغرب متكامل، منفتح، وواعٍ بوزنه الجيوسياسي المتصاعد، بعد ان أكد جلالة الملك حفظه الله ، وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة الملكية ،أن المؤسسة العسكرية ليست مجرد جهاز أمني، بل شريك أساسي في التنمية والحفاظ على استقرار الأمة، وهو تموقع جديد يتطلب إعادة تعريف العلاقة بين الجيش وباقي الفاعلين، من مؤسسات الدولة إلى المجتمع المدني والقطاع الخاص.
وإذا كانت تسمية هذا الفوج العسكري تحمل رمزية تاريخية مستمدة من روح “المنصور الذهبي”، فإنها تنفتح أيضًا على دلالات أعمق مرتبطة بالوفاء للمسار الوطني الذي بدأ غداة الاستقلال، خصوصًا من خلال مشروع “طريق الوحدة” الذي أطلقه الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه ، في خمسينيات القرن الماضي، حيث لم يكن ذاك المشروع مجرد طريق إسمنتي يربط الشمال بالجنوب، بل كان ورشًا تطوعيًا جماعيًا جسد الإرادة الشعبية في بناء الوطن.
اليوم، يُبعث ذلك النموذج من جديد ضمن رؤية جلالة الملك للتنمية المجالية، مندمجة وشاملة في إطار النموذج التنموي الجديد، الذي يروم تثمين الإنسان والمجال، وتحقيق عدالة ترابية واجتماعية.
في هذا السياق، تظهر الحكومة كفاعل مؤسساتي مطلوب منه اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يستثمر بعد نظر الملك ويترجم التوجيهات السامية إلى نتائج واقعية تُلمس في حياة المواطنين، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، سنة واحدة ليست قصيرة إن توافرت الإرادة السياسية والتعبئة الشاملة، حيث ان النجاح في تنزيل هذه التوجيهات يتطلب التحول من منطق التدبير إلى منطق القيادة، وهو ماسبق وان أكد عليه جلالته :- من التدبير الى التغيير – عبر إطلاق برامج سريعة الأثر في العالم القروي والمناطق الهشة، وتفعيل الجهوية المتقدمة، وتحسين الخدمات الأساسية، وتبني خطاب تواصلي شفاف يعزز الثقة بين المواطن والمؤسسات.
تعتقد أنه في قلب هذا التحول، تبرز الحاجة إلى صحافة وطنية ملتزمة، تشارك في بناء الوعي، وترفع من مستوى النقاش العمومي، وتدافع عن المشروع المجتمعي بدل الاكتفاء بملاحقة الأخبار التي لاتساهم في مناقشة آليات وكيفيات تدبير الشأن العام والسياسات العمومية ،نحن بحاجة إلى إعلام يعقلن الخطاب، يواكب الإصلاح، ويحتضن المواطن، إعلام يُسلط الضوء على القضايا التنموية لا التفاهة، ويُعيد الاعتبار للكلمة الجادة، ويُحفّز المشاركة السياسية الواعية.
إن الضباط المتخرجين باسم” المنصور الذهبي” لا يحملون فقط شرف الانتماء للمؤسسة العسكرية، بل مسؤولية قيادة مستقبل مغرب طموح، والحكومة، والإعلام، وكل مؤسسات الدولة، مطالبون اليوم، بمواكبة هذا التحول العميق، لا بقراءة سطحية للرموز.
الرهان لم يعد فقط على الإنجاز، بل على إعادة تعبئة وطنية تتجسد فيها التوجهات الملكية، وتُترجم فيها القيادة إلى فعل تاريخي، يؤمن بأن التحدي اليوم ليس في صدور توجيهات ملكية فحسب، بل في تفعيلها من قبل كل مكونات الدولة والمجتمع، في إطار احترام الواجبات الدستورية، وتعزيز ثقافة العمل الجماعي والتشاركي، من أجل مغرب قوي، ديمقراطي، منفتح، ومتجذر في تاريخه ومندمج في محيطه الجيوسياسي، يقوده ملك برؤية استشرافية ومشروع تنموي متكامل،
فكما صنع المنصور الذهبي مجده بالعبقرية السياسية، وكما شق الشباب طريق الوحدة بإرادتهم وتضحياتهم، فإن الجيل الجديد – من مسؤولين وصحافيين ومواطنين – مدعوّ اليوم لبناء طريق جديد نحو مغرب قوي، متوازن، ديمقراطي، وراسخ في التاريخ وواعٍ بالمستقبل، يقوده ملك استشرافي برؤية راسخة وذكاء استراتيجي قلّ نظيره.

















