الجمعة 03 مارس 2024
spot_img
الرئيسيةكُتّاب وآراءمرت عشر سنون ..........

مرت عشر سنون ……….

بقلم : عبدالمولى بابي .

لقد وجدت نفسي مجبرا على التطفل عزيزي القارئ مرة أخرى بعد إذنك، لكن هذه المرة بإسهاب وتفصيل مملين، لأنه بكل اختصار جانبا أو فصلا من مذكرات حياتي، رأيت من واجبي مصارحتك والبوح لك به قبل فوات الأوان، نعم لقد مرت عشر سنون على اكتمال العقد الثالث من عمري وتتويجي بشهادة الباكلوريا لشعبة الأدب الأصيل لدورة يونيو 2005م، التي كنت قد تعثرت في تحصيلها موسمين دراسيين متتالين لظروف لا داعي لشرحها في هذا المقام، فالشاهد عندي في ذلك أنها كانت الدافع المباشر الشخصي لي في إعادة ترتيب أشيائي إذا صح التعبير، وليس الشهادة في حد ذاتها هي الغاية وإنما هي النقطة التي أفاضت الكأس، فالمسؤوليات التي أعرف أنها تنتظرني والواقع الصعب الذي أعيش فيه ويحيط بي أينما وليت وجهي كان هو السبب الرئيس، حينها بدأت أخط طريقي بثبات وما توفيقي إلا بالله تعالى، فغادرت مدينتي الغالية لخمس سنوات متتالية ما عدا العطل البينية والصيفية التي كنت أقضي جلها في رحاب البدو والبادية، أتشبع بقيم أهل الصحراء من قناعة وصراحة، وأتصفح وأنهل من معين أمهات الكتب من أمثال مقدمة العلامة عبد الرحمان بن خلدون وكتاب الأميرلـ مكيافللي وكفاحي لأدولف هتلر ومذكرات محمد الرايس، ناهيك عن بعض الكتب الدينية كرجال حول الرسول ولا تحزن لعائض القرني وغيرها كثير، غادرتها وأنا مفعم بالحماسة على أمل العودة والاستقرار مسلحا بإيماني بالله عز وجل وسلاح العلم والمعرفة ثم شرعية الإنتماء لهذا الإقليم، خمس سنوات مرت ولم تكن النتيجة الكبرى التي تحصلت عليها هي الشهادة الجامعية بقدر ما هي التجربة التي راكمت في الحياة، فعرفني نساء ورجال كثر في مواقف، وعرفت سلوكات وعقليات أشخاص، جماعات وجهات وآليات طرق عمل وتعامل معها، لتحل سنة 2010م وأنا في عجلة من أمري لجمع أغراضي للعودة المنتظرة إلى أحضان مدينتي الحبيبة، وأخذ فترة نقاهة واستكمال التكوين وخدمة إقليمي بما توفر، لقد كان قدري دائما أن أقحم في أحداث أكبر مني رغم محاولتي تجنبها، حيث بدأت الأحداث تطفوا على السطح فهذه السنة كانت مفصلية في تاريخ العالم العربي المعاصر والصحراء بصفة خاصة وبوجدور بصفة أخص، فقد كنت متتبعا مواكبا للحراك العربي منذ حادث البوعزيزي إلى اليوم حتى تأثرت به كثيرا في تناولي للقضايا المحلية، لم أحضر أحداث أكديم إزيك لكنها لم تغب عني، بوجدور التي صنعت الحدث وطنيا، جهويا ومحليا في الاستحقاقات الأخيرة كنت منذ الوهلة الأولى فاعلا في هذا الحراك مكره أخاك لا بطل، لقد انطلق الأمر كما يدرك الجميع بحراك قبلي، سرعان ما تغير لحراك فئوي للشرائح الاجتماعية للمدينة، ليرتدي في الأخير ثوب وحلة الحراك الحزبي، كواليس كل هذه الأحداث أستطيع في الأخير تلخيصها في ثلاث عوامل لا أكثر: أحقاد دفينة، حرام يتصارع وأجهزة تغذي ذلك، الشيء الذي ولد فسادا ينخر الأجساد ويزكم الأنوف، فكيف يمكن الحديث عن شفافية ومصداقية في ظل قضاء مرتشي، سلطة متواطئة وإعلام مأجور؟ لماذا في بوجدور فقط الكل يتحدث عن فساد الأحزاب السياسية والجماعات الترابية ويغض الطرف عن ملفات فساد أضحت كالطابوهات: الإنعاش الوطني، المواد المدعمة، تموين المخيمات، المجتمع المدني، المصالح الخارجية والأجهزة الأمنية، بل المواطن في حد ذاته يساق كرؤوس القطيع طوعا لا كرها ليعبر عن إرادته بأبخس الأثمان؟ أهي الحاجة والعوز التي هنا ليس لها من اختراع إلا مزيدا من ذلة النفس وإهانتها؟ فلا علم لي في حدود اطلاعي على مستوى معيشة مجتمعنا أنه توفي أحد يوما يتضور جوعا؟ وإذا كان كذلك بما نفسر فساد مؤسسات الدولة ومسؤوليها المفروض جدلا أن ليس دافعهم الحاجة والعوز؟ أهو السعي لتحقيق الرفاه الاجتماعي ورغد العيش على حساب المبادئ والأخلاق، وإفساد الحياة السياسية في تحد سافر ومكشوف وضرب عرض الحائط للشرائع السماوية والقوانين الوضعية؟ يحز في النفس أن تعيش في هذه المنظومة القذرة على هذه الأرض الطاهرة التي تستحق منا كل الخير، لقد راقني تصريح أحد السياسيين الكبار المحليين ذات يوم بحديثه بتشنج عن واقع الفساد بالمدينة، وتحسره على المساهمة في ذلك كمنتخبين فالاعتراف على الأقل بالذنب فضيلة، إن شخصا يمتلك ذرة من الكرامة لا يستطيع التعايش هنيهة واحدة والعمل في هكذا واقع فهو بطريقة أو أخرى مساهما شاء أم أبى، لكن أين المفر فهذه بوجدور الغالية وأهلها الأغلى ما عدا ليلة الاستحقاقات الانتخابية للأسف؟ تتقزز من منظر شراء رقاب وذمم العائلة الأصيلة عن بكرة أبيها، نعم الخيمة الكبيرة بتعبيرنا المحلي: الشيخ بهيبته، العجوز الطاعنة في السن، الشاب بنخوته والفتاة بحيائها، بل المثقف بوعيه وعلمه يداس ويمرغ في وحل الرذالة السياسية، ولماذا نعيب هذا السلوك المشين على الناخبين البسطاء الذين قد نلتمس لهم العذر، ونبرر ذلك للمنتخبين الكبار الذين حظوا بثقتنا وما إن يتسلموا محاضر الاقتراع حتى يتواروا عن الأنظار ويقطع الاتصال بهم، فيقايض بعضهم بعضا كأشخاص وهيآت في صفقات سياسية ومادية كبيرة تسيل لعاب الكبير قبل الصغير، أم إنه كلما ارتفع العرض تودع الكرامة إلا من رحم ربي؟ فمن المتسبب الرئيس في هذا الوضع فإلى زمن قريب كنا نترفع عن هكذا حال ولا نرضى إلا باللقمة الحلال من عرق الجبين؟ أهي الجهات الرسمية التي ربت فينا ثقافة الاستهلاك بدء ببطائق الإنعاش الوطني التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مرورا بالموظفين المهجرين الأشباح وانتهاء بحصص معدودة على رؤوس الأصابع لتموين المخيمات، ناهيك عن التيسير لبعض الهيآت السياسية الموسمية للتحكم في مصالح البلاد ورقاب العباد، تتصدق لا لوجه الله بقليل من كثير مما تجني من إقطاعيات جماعية وغيرها ليلة جمعة الاستحقاقات وصبيحتها، في مقابل غياب أو تغييب فرص العمل والإنتاج؟ فقد صدق بنوا الساقية والوادي لما تجمهروا وجهروا بأعلى صوت في وجه أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مرددين المثل الصيني: “لا تعطيني سمكة بل علمني كيف أصطادها”، وماذا عسانا أن نفعل سوى العمل في إطار الممكن والمتاح كعادتنا، والتعبير عن موقفنا لتبرئة ذمتنا أمام الله، التاريخ والمواطنين الشرفاء حتى يأذن الله في تصويب الأمور، فالشعار الذي رفع طوال هذه المرحلة هو التنمية والتغيير أليس الأولى المطالبة بمحاربة الفساد وتخليق الحياة السياسية تجنبا لتكريس أمر الواقع ومؤامرة التطبيع؟، أملي شخصيا بعد تجاوز هذا المخاض العسير الذي نحتسبه عند الله طبيعيا وصحيا بالرغم مما كان، وكما صرحت مسبقا في أكثر من مقام بفتح حوار ونقاش موسع لترتيب البيت الداخلي والتأثيث لتوافقات لمشاركة سياسية في تسيير الشأن المحلي بين الفرقاء لتحقيق التنمية المنشودة التي غالبا ما تعرقل مسارها وتأثرت بشكل سلبي بسبب هذه التجاذبات، ولضمان تعايش سلمي بين المكونات العرقية للإقليم.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات