النهار24 .
لسنا في حاجة للتأكيد على عراقة الجيش المغربي و قــوته وشجاعته…وقــد شهِـدَ بكل هــــــذا الأوليــــن كالفاتح صلاح الدين الأيوبي بقوله الشهير بعد استرجاع القـدس ” أسكنت هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر ، وخير من يؤتمنــون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة…” وخصهم بحي سُـميَ ” حــارة المغاربة ” ، كما شهِـدتْـهــا جبال و سهول وساحات أوروبا خلال الحربين العالميتين الأولى و الثانية و حرب لاندوشين و الحرب الأهليـة باسبانيا…
ثم الحروب الحديثة كحرب الرمال وأمغالة الأولى والثانية…وقـد بصمت القوات المسلحة الملكية المغربية في كل هذه المعارك على شجاعة وذكاء كبيرين…كان آخرها العملية الخاصة لفتح معبر الكركرات في 13 نوفمبر من سنة 2020 حيث تم طرد ميلشيات البوليساريو و تأمين الحدود المغربية / الموريطانية…
ولــم يقتصــر تألق المؤسسة العسكرية المغربية فقــط على الدفاع عن السيادة والوحدة الترابية والوطنية وتأمين الأمن الخارجي للبلاد ، بل تعداه الى التميز في الشق الإنساني من خلال المساهمة في العديد من البعثات الأممية لحفظ السلام سواء في أوروبا (البوسنة) أو افريقيا (ليبيريا والكوت ديفوار والجمهورية الديمقراطية للكونغو…) وغيرها من عمليات حفظ السلام وتقديم خدمات طبية من خلال بناء مستشفيات متنقلة وخدمات اجتماعية مهمة…(لبنــان وليبيا والأردن وغــزة بفلسطين…)
الجيش المغربي سيكون حاضرا في زلــزال الحسيمة في فبراير من سنة 2004 ، كما كان حاضرا في زلــزال اكادير سنة 1960..وغيرها من الأحداث المفجعة والكوارث الطبيعية…وأثبـت نجاعته وفعاليـتـه في كل تلك المناسبات..
وبنفس العقيدة الوطنية للجيش المغربي وبنفس الانضباط و الكفاءة…سيساهم في زمن الكــوفيد بـــتقديم دعــم طبي كبير من خلال فتح المستشفيات العسكرية وتقديم مساعدة طبية وكذا متابعة نفسية…
وبذلك فقــد راكمت القوات المسلحة الملكية تجربة كبيرة في الشق الإنساني المتعلق بحفظ السلام أو المساهمة في عمليات الإنقاذ والبحث عن العالقين في المناطق المنكوبة بسبب الفيضانات أو الزلازل…هــذا بالإضافة الى المشاركة في تدريبات ومناورات عسكرية للرفع من الجاهزية في حالات الحرب أو الكوارث الطبيعية…
لــكل ذلك ، لــم يكن المغرب في حاجة الى كل عروض المساعدات الدولية بمناسبة زلــزال الحوز في شتنبر 2023…بل تحدثت السلطات المغربية عن ترتيب الأولويات وعن سيادة قــراره في تحديد احتياجاته وأولوياته …مادام بإمـكان المؤسسة العسكرية الملكية أن تفي بالغرض وزيــادة، نظرا لتوفـر عنصرها البشري على تكوين عصري وتجارب كبيرة..و لتوفــرها من جانب آخــر على تجهيزات لوجستية بدرجات عالية…
وقــد شــكل فسْـح باب المساعدات لبعض الدول (قطر ، الامارات العربية ، المملكة المتحدة واسبانيا) وعدم إغلاقـه أمام الباقين حدثا إعلاميا و سياسيا كبيرا…دفـع بـبعض الأنظمة الـغربية ” الديمقراطية ” إلى تجْنــيد إعلامها و كتائبها في شبكات التواصل الاجتماعي لتبخيس القدرات المغربية تارة ، و أخرى للضغط على السلطات المغربية من أجل السماح لها بتقديــم المساعدات ” عُنــوة “…
لذلك فقد روًج إعلامها بعض ” الاخبار الزائفة ” كتأخر السلطات المغربية في عمليات الإنقاذ بعد ثلاثة أيــام وتصوير المغرب وكأنـه بدون مؤسسات …وقـــد فطن المغاربة الى هدف تلك التقارير ” الإست ـــــــ علامية ” في خلق البلبلة داخل المناطق المتضررة..
لكن مهلًا ، وحتى لا نُـنْعت بتبني خطاب ” العاطفة ” ، فإننا نُــذكـر كل من فاتتـه قراءة بعض خلاصات لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة لسنة 2016..والمتعلقة بحماية الأشخاص في حالات الكوارث ، خاصة الفصل العاشر منه (10) والذي يؤكــد الدور الكبير للدولة المتضررة نتيجة الكوارث الطبيعية في إدارة وتسيير ومراقبة ومتابعة عمليات المساعدة وإغاثة المتضررين…وهو ما يدخل في خانـة ” مبدأ السيادة “…وزاد الفصل 12 منه ترسيـخ هذا المبدأ بتأكيده على ضرورة موافقة الدولة المتضررة كشـرط لدخول المساعدات الدولية..مع وجوب تعليل سبب رفض دخول المساعدات…
فهل نُـذكـر السادة في باريس أن زلزال الحوز ليس هو إعصار ماينمار لسنة 2008..والـذي وصل إلى طاولة مجلس الأمن الدولي بطلب من بعض الدول الغربية بعد إمتناع النظام العسكري هناك عن تقديم المساعدة لمنطقة الجنوب الآهلــة بقبائـل Karen العرقية..و تهديد النظام العسكري بتهم ” جرائم ضد الإنسانية “…
وعليه فإننا نُــخبر السادة في باريس بإستحالـة نسخ سيناريو ماينمار…أولًا ،لأن المغرب و في إطار سيادة قراره الوطني حضر بكل مؤسساته و شعبه الى جانب المتضررين من زلزال الحــوز فور وقوعــه…
ثانيًا ، أن المغرب استقبل بالفعل إعانات دولية و ترك الباب مفتوحا أمام الآخرين مع تقديم تعليل بتجنب الارتجالية وعدم التنسيق في حالة استقبال كل عروض المساعدات الدولية…
لكن البلاغ الملكي ليوم 9 شتنبر 2023 حمل معه أجوبة جامعة و مانعة لكل لُبْــس أوتدليس للحقيقة…إذ جاء في صياغة تتخد من لغــة التوقيت و الزمــن ما يقــطع الطريق على كل محاولة لـفبركة إعلامية أو دسيسة سياسية.. حيث حـرص البلاغ الملكي على ســـرد كرونولوجية وقائـع زلزال الحوز و جلسة العمل الملكية وإعلان التدابير الاستعجالية…في زوال يوم السبت 9 شتنبر ومُـذكٍــرا في الوقت ذاته بتوقيت الزلزال في ليــلة الجمعة 8 شتنبر…و سيتــم ربط توقيث مواصلة عمليات الإنقاذ في بعض المناطق بتوقيت ” مطلع النهار” لــتعذر الوصول إليها ليــلا…
وستصل لغة الـدقـة الزمنية الى ذروتها بتأكيد البلاغ الملكي على أن ” وقــد همت الإجراءات الاستعجالية التي شكلت موضوع تعليمات جلالة الملك وتتبعه الدائم منذ اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال…والتي شهدت تدخل القوات المسلحة الملكية…”
وهذا يعني أن الدولة المغربية كان حاضرة من خلال مؤسساتها الدستورية و لقانونية منذ اللحظات الأولى التي أعقبت زلــزال الحوز…وذلك من خلال تعليمات مُمثـلها الأسمى و قــائدها الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية جلالة الملك محمد السادس…بنشر القوات المسلحة الملكية بشكلٍ مستعجل لوسائل بشرية ولوجستية مهمة ، جوية وبــرية ووحدات تدخل متخصصة من فـرق للبحث والإنقاذ و مستشفى طبي جراحي ميداني… وليس كما تــروج له بعض عناوين الصحف الفرنسية خاصــة وكأنها تملك الحقيـقة…!
وهو ما كان له كبير الأثـــر العميق في نفوس المتضررين والمواطنين نظرا لتجربة القوات المسلحة الملكية ولإنضباطها ولفعاليتها ونجاعتها و سرعتها…سواءً خلال عمليات الإنقاذ والبحث باستعمال كـافة الوسائل بما فيها الحيوانات المدربــة والهيلوكوبتر و”الدرونات ” والمــرشدين السياحيين وأبناء المنطقة وتقــديم إسعافات طبية وإجراء عمليات جراحية داخل مستشفيات متنقلـة…أو من خلال بناء مخيمات عسكرية تُخصص للايواء وتقديم حصص غذائية في مطاعم و مخبزات متنقلة…وكذا بنــاء أقسام دراسية للأطفال، ومتابعات و جلـسات علاجية من طرف وحدة الطب النفسي لفائــدة الضحايا في مناطق زلــزال الحوز…
لقــد وثقــتْ العديد من صور زلــزال الحــوز..للحظات إنسانية مؤثــرة لأفراد القوات المسلحة الملكية سواء أثناء بحثهم وسط الأنقاض عن ناجين أو عالقين…أو أثناء حملهم للأطفال الرضع بين ذراعهــم و مساعدة النساء و الشيوخ وحتى أثــناء اللعب مع الأطفال…وهي صور لا يمكننا أمامها إلا الإنحــنــاء للقــوات المسلحة الملكية المغربية تقديــرا لجهــودهم في الدفاع عن السيادة الوطنية و الترابية و حفظ الأمن والسلام بالعالـــم…بكل حزم و فعالية و بكل إنسانية .