جسر الساقية الحمراء.. شريان التنمية الجديد في قلب الصحراء المغربية

الإدارة8 أكتوبر 2025
جسر الساقية الحمراء.. شريان التنمية الجديد في قلب الصحراء المغربية

النهار24. 

في عمق الصحراء المغربية، وعلى امتداد وادي الساقية الحمراء، ينبض ورش عملاق لا يهدأ ليلا ولا نهارا. هناك، حيث تتحد إرادة الإنسان مع قسوة الطبيعة، يتشكل أطول جسر في تاريخ المغرب، رمزًا لطموحٍ وطني لا يعرف المستحيل، وجسراً فعلياً بين الشمال والجنوب، بين الحلم والإنجاز.

على ضوء الكشافات القوية التي تخترق ظلمة الصحراء، يواصل عشرات العمال والمهندسين الليل بالنهار، في نظام مداومات دقيقة يضمن استمرار العمل على مدار 24 ساعة. خيار العمل الليلي لم يكن تفصيلاً تقنياً، بل قراراً استراتيجياً يترجم إصرار المغرب على احترام آجال التسليم المحددة في يوليوز 2027، وتسريع وتيرة الأشغال في مشروع يختصر روح النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية.

يمتد هذا الجسر العملاق على طول 1.7 كيلومتر، بكلفة مالية تقارب 1.38 مليار درهم، فيما بلغت نسبة تقدم الأشغال نحو 30 في المائة. وتغوص دعاماته الخرسانية في عمق الأرض الصحراوية لتصل إلى 50 متراً، مانحةً المعلمة الهندسية مظهراً مهيباً يعكس قوة التصميم ودقة التنفيذ.

الجسر جزء من الطريق السريع تيزنيت–الداخلة، المشروع الملكي المهيكل الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2015 بمدينة العيون، والذي أصبح اليوم شرياناً اقتصادياً واستراتيجياً يربط المغرب بعمقه الإفريقي. هذا المحور الجنوبي لا يمثل مجرد طريق، بل منظومة متكاملة من البنيات التحتية الحديثة: جسور، قناطر، مناطق استراحة، وتجهيزات متطورة لضمان السلامة وجودة التنقل.

رغم تحديات الجائحة والظروف المناخية القاسية، من رياح قوية ورمال متحركة وحرارة مرتفعة، لم تتوقف وتيرة العمل. فقد تجاوز مجموع ساعات الإنجاز المليون ساعة عمل، بفضل نظام  يضم ثلاث فرق تعمل بتناوب دقيق، بينها أكثر من 160 عاملاً يواصلون الليل بالنهار وسط الإنارة القوية والمولدات التي تحوّل الليل الصحراوي إلى ورشة مفتوحة.

ولأن التنمية لا تنفصل عن الكرامة، تُولي إدارة المشروع أهمية كبرى لسلامة العمال وظروفهم المهنية، من خلال تجهيزات متطورة ومراقبة صارمة للجودة، ما جعل هذا الورش نموذجاً في التنظيم والتخطيط الهندسي داخل بيئة صحراوية صعبة.

هذا الجسر ليس مجرد بنية تحتية، بل رمز لنهضة الأقاليم الجنوبية التي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى فضاءٍ واعدٍ بالاستثمار والتنمية. فالعاصمة العيون باتت تحتضن مشاريع استراتيجية كبرى، من بينها كلية الطب والصيدلة، ومدينة المهن والكفاءات، والمستشفى الجامعي الجديد، ومطار الحسن الأول الذي يشهد عملية تحديث شاملة.

جسر الساقية الحمراء هو أكثر من معبر إسمنتي فوق وادٍ؛ إنه جسر التنمية والوحدة الوطنية، بوابة جديدة تربط المغرب بعمقه الإفريقي، وتجسد رؤية ملكية بعيدة المدى تؤمن بأن التنمية الحقيقية تمر عبر ربط الإنسان بالمكان، والمستقبل بالجغرافيا.

في صمت الصحراء، يتواصل العمل بلا توقف. هناك، تحت سماءٍ مرصعة بالنجوم، تُكتب قصة جديدة من قصص المغرب الحديث: قصة جسر لا ينام… وجيل لا يتوقف عن البناء

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة