الرباط وواشنطن… التاريخ يثمرالثقة، ويحُوّله إلى اعتراف ونفوذ عالمي

الإدارة3 أغسطس 2025
الرباط وواشنطن… التاريخ يثمرالثقة، ويحُوّله إلى اعتراف ونفوذ عالمي

النهار24. 

في سياق التحولات المتسارعة التي تشهدها العلاقات الدولية، جاءت رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، لتُعيد التأكيد على متانة الشراكة المغربية–الأمريكية، وتُبرز عمق التقدير الذي تكنّه واشنطن للمملكة المغربية، فقد حملت البرقية الرئاسية دلالات سياسية قوية، حيث جدّد ترامب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، مؤكدًا أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يُعد جادًا وواقعيًا وذا مصداقية، ويُشكل الأساس الوحيد لتسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع الإقليمي.
هذا التأكيد الأمريكي، الذي يأتي في لحظة رمزية من تاريخ المملكة، لا يُمثل فقط استمرارًا للموقف الذي أعلنته واشنطن في ديسمبر 2020، بل يُجسد رؤية استراتيجية طويلة الأمد تُراهن على المغرب كفاعل محوري في استقرار المنطقة، وشريك موثوق في بناء منظومة الأمن والتنمية،فمن خلال دعمها المتجدد لمبادرة الحكم الذاتي، تُبرهن الولايات المتحدة على التزامها بخيار سياسي واقعي يُراعي مصالح جميع الأطراف، ويُعزز من فرص السلام في منطقة الساحل والصحراء.
تشير التحولات الأخيرة في العلاقات المغربية-الأمريكية إلى مرحلة جديدة تتسم بالعمق والتكامل الاستراتيجي، متجاوزة مجرد نمو المبادلات التجارية نحو شراكة متعددة الأبعاد تشمل قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، الاقتصاد الرقمي، والهيدروجين الأخضر. هذه المجالات تمنح المغرب فرصًا واعدة بفضل قدراته التقنية والطبيعية، وتُمهّد الطريق لدور ريادي إقليمي مدعوم بالخبرة الأمريكية والاستثمار المؤسسي في اطار شراكة رابح – رابح.
الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه كان نقطة تحول مفصلية، إذ فتح الباب أمام مشاريع بنية تحتية ضخمة في الأقاليم الجنوبية، منها ميناء الداخلة الأطلسي، محطات تحلية مياه البحر، ومزارع الطاقة النظيفة، مما سيحول هذه المنطقة من صحرائنا إلى قطب اقتصادي استراتيجي يربط المغرب بعمقه الإفريقي والعالمي، اعتبارا أن هذا التطور لا يخدم فقط المصالح المغربية بل يتماشى أيضًا مع الطموحات الأمريكية في تعزيز حضورها الجيو-اقتصادي بالقارة الإفريقية في ظل التنافس الدولي المتزايد عليها.
أما على المستوى الجيوسياسي، فإن الإشارة إلى اتفاقات أبراهام تكشف عن دور محوري متنامٍ للمغرب في هندسة السلام الإقليمي، حيث من المتوقع أن يساهم في توسيع هذه الاتفاقات لتشمل دولًا إفريقية أخرى، بفضل دبلوماسيته النشطة وعلاقاته الراسخة بالقارة.
اعتقد انه من شأن التعاون بين المغرب والولايات المتحدة ، أن يؤسس لمشاريع تنموية ذات أثر واسع، تجمع بين التمويل الأمريكي، والخبرة والبنية الدبلوماسية المغربية، مما يخلق نموذجًا مبتكرًا للتعاون جنوب-جنوب-شمال.
وعليه، فإن الاعتراف الأمريكي بالصحراء لم يكن نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من الشراكة التي تقوم على رؤية طويلة المدى تستند إلى تقييم واقعي لدور المغرب في الاستقرار والتنمية.
ومن خلال استمرار هذه السياسة عبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تترسخ العلاقة الثنائية باعتبارها منصة استراتيجية لمواجهة التحديات الإقليمية وتحقيق المصالح المشتركة.
وإذا كان المستقبل يرسم ملامح جديدة لهذه العلاقة، فإن التاريخ المغربي يمنحها شرعية إضافية، فالمغرب لطالما كان بلدًا فاعلًا في المشهد الدولي، بفضل حضارته العريقة وتراثه الثقافي المتنوع الذي يُبهر شعوب العالم ويُعزز من مكانته كجسر حضاري بين الشرق والغرب. ويكفي أن نستحضر اعترافه المبكر باستقلال الولايات المتحدة عام 1777، ليكون أول دولة تقدم على هذه الخطوة، مُجسدًا رؤية استراتيجية متقدمة للسلطان محمد الثالث. وقد تُوّج هذا الاعتراف بمعاهدة السلام والصداقة عام 1786، التي تُعد من أقدم المعاهدات الأمريكية المستمرة إلى اليوم.
وفي لحظة إنسانية فارقة خلال الحرب العالمية الثانية، برز موقف الملك محمد الخامس حين رفض تسليم اليهود المغاربة أو إخضاعهم للتمييز، مؤكدًا أنهم مواطنون مغاربة لا فرق بينهم وبين باقي المواطنين. هذا الموقف الأخلاقي والبطولي أنقذ آلاف الأرواح، ورسخ صورة المغرب كرمز للتسامح والعدالة في زمن كانت فيه هذه القيم تُواجه أعنف التحديات.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار رسالة ترامب ردًا دبلوماسيًا قويًا يحمل محفزًا مباشرًا لقصر المرادية في الجزائر، لقبول اليد الممدودة التي جدد جلالة الملك محمد السادس التمسك بها، تقديرًا لروابط الأخوة والتاريخ والمصير المشترك بين الشعبين المغربي والجزائري. فهل ستلتقط الجزائر هذه الإشارة وتجلس إلى طاولة الحوار في إطار حل واقعي ونهائي لقضية الصحراء المغربية، وفق مبدأ “لا غالب ولا مغلوب”، وضمن أسس البناء والترابط المغاربي؟
مستقبل المنطقة لا يُبنى على التنافر، بل على التكامل. والمغرب، بثباته ووضوحه، يفتح الطريق نحو مصالحة تاريخية قد تُعيد رسم ملامح المغرب الكبير كما حلمت به الشعوب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة