النهار24.
شهد الموقف الدولي تحولا جوهريا تجلى في دعم القوى الدولية الكبرى لمقترح الحكم الذاتي المغربي الذي قدم عام 2007 كأساس وحيد وواقعي للحل السياسي.
الدعم الغربي المتصاعد: لم يعد الموقف الغربي مجرد تأييد رمزي، بل تحول إلى دعم استراتيجي ملموس. حيث اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء في 2020، والتحقت بها دول أوروبية كبرى مثل إسبانيا وفرنسا وبريطانيا في دعم مقترح الحكم الذاتي، مما يجسد وحدة الموقف الغربي .
التحول الاستراتيجي الروسي: يمثل التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، نقطة تحول محورية. حيث أعلن أن موسكو “مستعدة للترحيب بمخطط الحكم الذاتي ومباركته باعتباره أحد أشكال تقرير المصير” . بل ذهب لافروف إلى أبعد من ذلك بالتشديد على أن الموقف الأممي قد تطور بعد عام 2008 لاستبعاد خيار الاستفتاء، معتبرا أن خيار الحكم الذاتي يحظى الآن بشرعية في القانون الدولي كأحد أوجه تقرير المصير .
هذا الموقف إلى جانب الحديث عن امتناع محتمل للتصويت، يضعف الموقف التفاوضي التقليدي للجزائر وحليفتها البوليساريو .
تطور الموقف الإقليمي.. مرونة البوليساريو ونبرة جزائرية جديدة.
أظهرت الأطراف الإقليمية المباشرة مرونة ملحوظة تشير إلى إدراكها لتحول موازين القوى الدبلوماسية وضرورة الخروج من المأزق التاريخي.
المرونة غير المسبوقة للبوليساريو: في خطوة تاريخية، أعلنت جبهة البوليساريو عن “تخليها عن موقفها السابق بتقرير المصير عبر الاستفتاء” وتقديمها “مقترحاً موسعاً” قائما على “تحمل نصف كلفة السلام” مع المغرب .
ورغم أن مضامين المقترح الموسع لم تفصح عنها الجبهة بالكامل فإن تحليل بلاغها الرسمي يشير بوضوح إلى استعدادها للتفاوض مع المغرب ضمن إطار مقترح الحكم الذاتي، بعد أن تخلت عن الخيار الوحيد السابق وهو الاستفتاء .
النبرة الجزائرية المخففة: أظهرت تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمام قادة الجيش تحولا لافتا في الخطاب، حيث حاول الفصل بوضوح بين العلاقات الثنائية مع المغرب وبين نزاع الصحراء، مؤكدا أن قضية الصحراء تحل بين المغرب والصحراويين وأن الجزائر لن تكون أكثر صحراوية من الصحراويين .. إذا توصلوا لحل مع المغرب .
هذا التوجه، المصحوب بالإشارة إلى وساطة من “أشقاء” لفتح الحدود ودخول “قوة عظمى على الخط”، يختلف جذريا عن لغة التشبث والشروط المسبقة التي طالما ميزت الموقف الرسمي الجزائري
الوساطة الأمريكية الجديدة.. مسار سريع لتطبيع العلاقات الثنائية.
أضافت الدبلوماسية الأمريكية عاملا جديدا بتدخلها المباشر حيث أطلقت مسارا موازيا وسريعاً يهدف إلى معالجة الجذر الأساسي للنزاع، وهو التوتر الثنائي بين الرباط والجزائر.
الجدول الزمني الطموح: كشف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أن واشنطن تتوسط بين المغرب والجزائر وتعمل على تحقيق “اتفاق سلام” بين البلدين خلال ستين يوم . هذا الإعلان وإن كان طموحا جدا في ظل عقود من القطيعة، فإنه يعكس جدية التحرك الأمريكي.
تأكيد الانفتاح الجزائري: عزز مسعد بولوس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي هذه الصورة حين أكد أن الرئيس الجزائري تبون “منفتح على تحسين العلاقات مع الجيران المغاربيين، ومع المغرب وشعبها وملكها وحكومتها” . كما أشار إلى وجود وساطة سعودية استقبلت فيها كل من الرباط والجزائر مبعوث خادم الحرمين وولي عهده، في إشارة إلى تحرك عربي داعم للمسار الأمريكي .
الاستراتيجية الأمريكية والسيناريوهات المستقبلية.. نحو إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية.
لا يمكن فهم هذا الحراك الدبلوماسي المكثف بمعزل عن الاستراتيجية الأمريكية الأوسع في المنطقة والتي تهدف إلى إعادة ترتيب التحالفات وخلق واقع جيوسياسي جديد يخدم مصالح واشنطن الاستراتيجية.
الأبعاد الاستراتيجية للتحرك الأمريكي : تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تمركزها الاستراتيجي في القارة الأفريقية التي تعتبر القارة الواعدة في الاستثمارات ومصادر الطاقة والمعادن الثمينة .
إن استمرار الصراع بين قطبي المغرب العربي يعيق هذه الرؤية لذلك فإن تطبيع العلاقات بين الجزائر والمغرب بوصفهما قوتين عسكريتين قادرتين على حماية حدودهما سيمكن واشنطن من الاسثتمار الآمن في المنطقة .
إضعاف النفوذ المنافس: من شأن هذا التطبيع أن يسهم في إضعاف الموقع التفاوضي لـ روسيا وكسر جزء من الهيمنة الاقتصادية لـ الصين على المنطقة حسب -اعتقاد الأمريكيين- خاصة في دول الساحل الأفريقي التي تشهد عدم استقرار (النيجر، مالي، بوركينا فاسو) .
السيناريو المتوقع: في ضوء هذه المعطيات الحالية فإن السيناريو الأكثر ترجيحا يتمثل في صدور قرار من مجلس الأمن نهاية أكتوبر يجعل من مقترح الحكم الذاتي الإطار الوحيد للتفاوض المباشر بين المغرب والبوليساريو في نفس الوقت ستشهد الفترة المقبلة مؤشرات انفراج في العلاقات المغربية-الجزائرية .. بما يؤكد أن مشكلة الصحراء هي مشكلة فرعية ناتجة عن المشكلة الأصلية وهي القطيعة بين الرباط والجزائر، لكن هل ستقبل الرباط بهذا الدفع؟ الجواب سيكون في خطاب المسيرة الخضراء المظفرة .
تحولات السياق.. من مقترح التفاوض في 2007 إلى واقع السيادة المعززة في 2025.
لم يعد المغرب في 2025 هو ذاته في 2007. فمن خلال الدبلوماسية الملكية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حظيت الوحدة الترابية للمملكة باعتراف غير مسبوق على الساحة الدولية .. تجسد في الموقف الثابت للولايات المتحدة عبر الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء .. وتعزيز شبكة التحالفات مع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة. هذا التحول من طالب بدعم إلى شريك استراتيجي وقوة إقليمية صاعدة يفرض منطقا جديدا للتفاوض.
فبنود الحكم الذاتي لم يعد ينظر إليها كتنازلات بل كتكريس لواقع السيادة المغربية المتجذرة وأداة لتسوية نهائية تستجيب لمتطلبات الشركاء الدوليين مع الحفاظ على الثوابت الوطنية.
المشهد الاجتماعي في الأقاليم الجنوبية: من منطق النزاع إلى إنجازات التنمية:
شهدت الأقاليم الصحراوية للمملكة تحولا جذريا على المستوى السوسيو-اقتصادي والمؤسساتي.
فما كان في 2007 مناطق تدار في سياق نزاع أصبح في 2025 نماذج للجهوية المتقدمة والتنمية المندمجة. هذه الأقاليم تحولت إلى جماعات ترابية فاعلة تتوفر على جميع المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتنعم بمشاريع تنموية كبرى.
هذا الواقع الجديد يرفع سقف توقعات السكان ويجعل من أي نموذج للحكم الذاتي مجرد إطار لتدبير مناطقي ذاتي ضمن السيادة الوطنية وليس نقطة تفاوض حولها.
آليات التنزيل.. معالجة الإشكالات البشرية وإعادة تعريف المشروعية
تبرز كآلية تنزيل أساسية معالجة الوضع البشري المعقد في مخيمات تندوف فالمغاربة العائدون لهم اليد الممدودة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين تجسيد لسياسة العفو والمصالحة. إنه نداء للمغاربة المحتجزين للعودة إلى حضن الوطن.. حيث سيوفر لهم العيش الكريم و التمتع بجميع الحقوق التي كفلتها الديانات السماوية والمواثيق الدولية .. في استحضار للقيم الإنسانية الكونية التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
#الأجانب_والمتطرفين: أما فيما يخص العناصر غير المغربية أو الذين تبنوا أيديولوجيات الغلو والتطرف فالمنطق يختلف جذريا معهم .. فالحل العادل يكمن في عودتهم إلى أوطانهم الأصلية .. أو أن تمنحهم دولة الجزائر التي تستضيف المخيمات حق اللجوء على ترابها. .. إنها مسؤولية دولية وأخلاقية تتحملها الجزائر في تصفية هذا الإرث الإنساني المأساوي
لم يعد ملف الصحراء منعزلا بل أصبح جزءا من معادلة إقليمية أوسع بفضل الدبلوماسية المغربية النشطة و بدعم من حلفاء استراتيجيين مما فتح الباب أمام اتفاق إقليمي جديد على غرار “اتفاقيات إبراهام” قد يكون ثلاثياً أو متعدد الأطراف (يشمل المغرب، الجزائر، الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا).
مثل هذا الاتفاق لن يحل قضية الصحراء فحسب .. بل قد يضع إطارا للتعاون الإقليمي وربما يفتح النقاش حول ملفات أخرى كالصحراء الشرقية في إطار توافقات سياسية واستراتيجية كبرى.
لقد نجحت الدبلوماسية الملكية الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس في تحويل المغرب إلى لاعب لا يمكن تجاوزه.. مسجلا نقاطا تاريخية في معركة الشرعية.
وقد كان لدور الجالية المغربية اليهودية في أمريكا وأوروبا وآسيا أثر بالغ في تعزيز هذا المسار.. مؤكدة على صورة المغرب الوطن المتسامح والمتعدد الرواد.


















