النهار24.
تتقدم المملكة المغربية بثبات في مسار تعزيز كفاءات شبابها وإدماجهم الفعلي في سوق الشغل، عبر مبادرات استراتيجية تُرسّخ الربط بين التكوين والممارسة المهنية. وفي هذا الإطار، يواصل البرنامج الحكومي “تدرّج”، الموجه لتعميم التكوين بالتدرج، خطواته الطموحة بإطلاق مرحلة جديدة من خلال توقيع اتفاقيتين تنفيذيتين ترومان إلى تطوير هذا النمط التكويني في قطاعي الفلاحة والصيد البحري خلال الفترة 2025–2030، بما يعزز تهييء جيل شاب مؤهل وقادر على الانخراط في دينامية القطاعات الإنتاجية الواعدة للمملكة.
وتندرج هذه المرحلة الجديدة، التي تم تنظيمها يوم الثلاثاء الرابع من نونبر 2025 بمعهد الأمير سيدي محمد للتقنيين المتخصصين في التسيير والتسويق الفلاحي بالمحمدية، في إطار الدينامية الوطنية لتنزيل خارطة طريق التشغيل، ولاسيما المبادرة الرامية إلى توسيع التكوين عن طريق التدرّب ليشمل مجموع القطاعات الإنتاجية.
وقد ترأس حفل التوقيع كلّ من السيد أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والسيد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، والسيدة زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري. وشهد هذا الحدث حضور مسؤولين مؤسساتيين وممثلي القطاعين، إلى جانب منتخبين ومهنيين وشركاء جهويين، في تجسيد للانخراط الجماعي في جعل التكوين بالتدرج المهني رافعةً استراتيجية لتأهيل الشباب وإدماجهم في سوق الشغل.
تأتي هذه المبادرة حسب معطيات تحصلت عليها مجلة “المحيط الفلاحي” من وزارة الفلاحة تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، التي جعلت من الشباب والتكوين والتشغيل في صلب النموذج التنموي الاقتصادي والاجتماعي للمملكة. كما تعكس الإرادة الحكومية في تعزيز إدماج الشباب وتثمين الرأسمال البشري بالمناطق القروية والساحلية، في إطار خارطة الطريق الحكومية للتشغيل، عبر تعميم التكوين بالتدرّج على مختلف القطاعات.
ويهدف برنامج “تدرج” إلى تأهيل الشباب وإدماجهم في سوق الشغل من خلال نمط تكوين يجمع بين الدراسة النظرية والممارسة الميدانية بنسبة 20% داخل مراكز التكوين وبنسبة 80% داخل المقاولات أو الضيعات الفلاحية. ويطمح البرنامج تكوين 15.000 متدرّب سنوياً في القطاع الفلاحي خلال الفترة 2025-2030؛ وبالنسبة لقطاع الصيد البحري، 1600 متدرب في السنة الأولى و2.000 متدرّب سنوياً في الفترة 2026-2030.
وتجسّد الاتفاقيتان الموقّعتان رؤية مشتركة ومتكاملة لتزويد الشباب بكفاءات تتلاءم مع متطلبات سلاسل الإنتاج، وتعزيز قابلية تشغيلهم داخل المجالات القروية والساحلية. وتنص الاتفاقيتان على تعبئة الموارد البشرية والمادية والبيداغوجية اللازمة من طرف قطاع الفلاحة وكتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري. من جانبه، يقوم قطاع التكوين المهني بتعبئة غلاف مالي قدره375 مليون درهم لتنفيذ برنامج التكوين بالتدرّج في قطاع الفلاحة، و 48 مليون درهم لفائدة قطاع الصيد البحري. وتتكفل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بعملية استقطاب واختيار المتدرّبين، والمساهمة في تعبئة المقاولات المستقبِلة، كما تواكب الخريجين من أجل إدماجهم المهني.
في القطاع الفلاحي، يهمّ البرنامج تطوير التكوين بالتدرّج داخل مؤسسات التكوين المهني الفلاحي، ويستهدف تكوين فلاحين شباب، وعمال مؤهلين، وتقنيين ومقاولين في مهن الإنتاج والتحويل والتثمين الفلاحي. كما يسعى إلى تعزيز المهارات التطبيقية للشباب عبر التكوين في الوسط المهني، وتشجيع إدماجهم في سلاسل القيمة النباتية والحيوانية، وإعداد جيل جديد من الفلاحين المؤهلين والمبتكرين.
أما في قطاع الصيد البحري، فيرتكز برنامج “تدرج” على تطوير التكوين بالتدرّج داخل معاهد تكنولوجيا الصيد البحري ومراكز التأهيل المهني البحري، بهدف مواكبة تحديث مهن البحر، وتكوين بحّارة وتقنيين ومشغّلين مؤهلين. ويساهم هذا التكوين في تعزيز السلامة البحرية، وجودة المنتجات وتتبعها، ودعم استدامة وتنافسية أنشطة الصيد البحري وتربية الأحياء المائية، تماشياً مع الاستراتيجية الوطنية لتطوير اقتصاد أزرق مستدام.
وترتكز هذه التكوينات المؤهّلة والمُعتمدة على هندسة بيداغوجية مجدّدة، تُدمج الرقمنة والاستدامة والمهارات الخضراء، بما يتماشى مع متطلبات سوق الشغل والأولويات الوطنية في مجال السيادة الغذائية والبحرية.
ويعتمد البرنامج على مقاربة تشاركية تُشرك مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمهنيين، وترتكز على تحديث أساليب التكوين، وتجهيز الورشات والمزارع التطبيقية، ووضع نظام لتتبّع مؤشرات الجودة والإدماج المهني.
وتقوم حكامة البرنامج على مستويين متكاملين: لجنة وطنية للتتبع والتنسيق والتقييم، تُشرف على القيادة العامة للبرنامج، ولجان جهوية للتتبع، تُكلّف بالتنزيل الميداني وضمان ملاءمة التكوين مع خصوصيات كل جهة.
وفي ختام هذا المسار الطموح، يبرز برنامج “تدرّج” نموذجاً عملياً لالتزام الدولة، وتحديداً وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بجعل الشباب في قلب التحول التنموي الوطني. فبفضل رؤية استراتيجية واضحة، وبرامج تكوين مبتكرة تستجيب لحاجيات الميدان، تُرسّخ الوزارة موقعها كفاعل محوري في إعداد جيل جديد من الكفاءات القادرة على مواكبة تطور المنظومات الفلاحية والبحرية، والمساهمة في تعزيز الأمن الغذائي والاقتصاد الأزرق المستدام.
إن هذه الجهود المتواصلة ليست مجرد استثمار في المهارت والتشغيل، بل هي رهان على المستقبل، واستشراف لمرحلة يصبح فيها شباب المملكة قوة إنتاجية فاعلة ومحركاً أساسياً لاستدامة التنمية، انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية ورؤية المغرب لمغربٍ قويٍ بكفاءاته، مزدهرٍ بطاقاته، ومفتوحٍ على آفاق اقتصادية واعدة


















