النهار 24 : عمار اوعمو.
بعد أن أقدمت “ناريفا هولدينغ”، باعتبارها فرعا لشركة الطاقة الرّيحية بالمغرب و التّابعة للشركة الوطنية للاستثمار؛ على ابرام اتفاقاتها اللازمة لتمويل مشروع “أفتيسات” جنوب بوجدور، في حدود 4 مليار درهم، مستثمرة في حقل للطّاقة الرّيحية، التي يأتي على رأس أهدافها، انجاز حقل طاقيٍّ بطاقة استيعابية تفوق 200 ميغا وات، فضلا عن بناء خطٍّ كهربائيٍّ بـ 400 ك.ف على طول 250 كلم، إذ سيمكن هذا الأخير من الرّبط بين الحقل المذكور ب “أفتيسات” و مركز المكتب الوطني للماء والكهرباء بالعيون، إضافة إلى تعزيز البنية التحتية الكهربائية لمدن الصّحراء، كما يهدف هذا المشروع إلى الاسهام بشكل خاص؛ في ربط مدينة الدّاخلة بالشبكة الوطنية للكهرباء.
يُـذكر أنّ قيمة هذا الاستثمار –كما سبق و أشرنا- تبلغ 4 مليار درهم، انطلاقا من تمويل بنسبة 75 في المئة من مساهمين في شركة الطّاقة الريحية للمغرب؛ من خلال فرع “ناريفا هولدينغ” المؤسّس سنة 2005، وكذا الصّندوق المهني للتّقاعد بمايقارب 25 في المئة، علاوة على التّمويل البنكي لـ “التجاري وفا بنك” و “البنك الشعبي”، إذ من المرْتقب أن يبدأ المشروع في تقديم خدماته في دجنبر 2018؛ بحيث سيزوّد 1.5 مليون ساكن بالطاقة الكهربائية، ناهيك عن تجنيب المغرب من انبعاث 700.000 طن من غاز ثنائي أوكسيد الكاربون في السّنة، تماشيا و تخريجات قمّة مرّاكش المنصرمة “كوب22” للتّغيّرات المناخية، التي تروم النّظر في الطّاقات المتجدّدة على أنّها الطاقة البديلة و الصّديقة للبيئة.
عقب كلّ هذه الأرقام والاحصاءات، و بعد أن تمّ الافصاح عن خلق 900 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في عملية بناء الحقل المذكور، موازاة مع الأشغال القائمة بالمشروع ذاته، لم يستفد شباب المدينة من أيّة فرصة عمل في ما سبق ذكره، علما أنّ عدد الشّركات التي شرعت في أشغال المشروع، كانت كافية لتشغيل غالبيّتهم إن لم نقل الكل، والتي نجد من بينها كلاّ من شركة “صوماجيك”، “آركوبيطون”، “سيجيليك” ثمّ “صوكودام”، “لونكَوميطال”، فضلا عن شركة “جي.تي.إر”، “أبيبي”، “كليميسي” و شركة “سيمينس” المزمع التحاقها في الأيّام المقبلة، فضلا عن إحدى المقاولات المحليّة؛ المسمّاة “شاذى الجنوب” مجموعة ادبدا.
هنا بالضّبط؛ يبدأ مشكل السياسات المعمول بها، إذ كان من المفترض والمفروض لزاما –كما هو معروف- اعطاء الأولويّة لأبناء المنطقة، بدلا عن جلب يد عاملة دخيلة بداعي أسطوانة مشروخة؛ مفادها يتراوح بين، إمّا أنّ أبناء المنطقة غير قادرين على العمل، أو لأنّهم متحاملون “كاتلتهم البلكَة” و متكبّرون على نحو أنفة خاوية الكبرياء تجعلهم يرفضون العمل بمثل تلك الأشغال الآنفة القول، والواقع أنّهم مقصييّون بوضوح؛ إذ يُعزى أمر ذلك ربّما، إلى تكريس التّبعية الحزبيّة من جهة، و سياسة الوساطة حتّى في مثل هكذا مناسبات نادرة، علاوة على ترسيخ سياسة التّفقير “جوّع كلبك يتبعك” لصرف أموال طائلة في الحملات الانتخابية من جهة أخرى؛ إلاّ أنّ كلّ ذلك بات أمرا فاضحا لسياسات التّقشف التي أصبح معمولا بها، ما يسع القول أنّه في الوقت الذي كان من المفروض فيه أن تُــقدّم يد العون للسّاكنة المحليّة؛ باعطاء الأولويّة لأبنائها، تمّ في مقابل ذلك ادراج أسماء تتقاضى أجر عمل لا تعلم منه غير ما يصلها عبر البنوك والوكالات النقدية، و تهميش أبناء بوجدور لوقت لاحق؛ ربّما حتّى الاقتراعات المقبلة، لتُـستأنف آصرة المودّة والقرابة السياسية من جديد، في جوٍّ أقرب ما يمكن وصفه تصوُّفاً سياسيًّا ممزوجا بخطاب شعبوي مستهلك ومتهالك . كما أنّه من المعلوم أنّ منطقة “أفتيسات” التّابعة لنفوذ بوجدور، هي إحدى النّقاط المهمّة، التي تُدِرُّ وابلا من الأموال –انطلاقا من الثروة السمكية- على صندوق جماعة “اجريفية” رغم ما تعانيه هذه الأخيرة من هشاشة على مستوى البنية التحتيّة، وحريٌّ بالذكر؛ أنّ هذه المنطقة قد أضحت تعرف حراكا غير مسبوق، يأتي هذا ارتباطا مع أشغال المشروع المزمع إنشاؤُه، والذي بات وجهة لأنظار الساكنة المحلية التي يروج على أنّها تستنكر ترهُّل وضعها الحالي، الشيء الذي جعل من الساهرين على المشروع وعلى رأسهم السلطة؛ يهرعون في جو من الحيطة والحذر للتّفكير في إحداث جدار عسكريٍّ بغية تطويق مكان المشروع كما سبق وحصل بمنطقة “فوسبوكراع” بالعيون.
في وضع كما ذي الحال التي وصلت إليها بوجدور وساكنتها، على وقع حركاتها الصّامتة وسكناتها الشبيهة بالموت؛ إلى متى ؟ سنظلّ غير آبهين لرعونة المنتخبين والمسئولين، خصوصا، عندما يصنع هؤلاء ما يشاؤون تحت صمت الدّولة التي يرعبها اللوح الشطرنجي للجغرافيا السياسية .