النهار24 .
الْتَأَمَت في الرباط، يومَهُ 22 يونيو 2018، الوفود البرلمانية الفرنسية المغربية الممثِّلة لكلٍّ من مجلس النواب ومجلس المستشارين في المملكة المغربية، وكلٍّ من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في الجمهورية الفرنسية بحضور رؤساء هذه المجالس، وذلك في إِطار الدورة الثالثة للمنتدى البرلماني الفرنسي-المغربي. هذا الحدث الذي يشكل مرحلة جديدة من التشاور والحوار البرلماني بين البلدَيْن، والذي يهدف إلى تقوية الشراكة الاستثنائية والتفاهم المتبادَل بين الرباط وباريس، وكذا مواكبة مختلف سُبُل تقوية علاقاتنا الثنائية على المستوى البرلماني.
وإِن المناقشات والآراء التي تم تَبَادُلُها خلال هذا المنتدى، والأهمية التي اكتستها الموضوعات التي تم التطرق إليها، لَتُبرز نوعية العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية وكذا الإِرادة المشتركة لصيانة وتعزيز هذه القيمة النوعية للعلاقات الثنائية والشراكة المتميزة.
وينبغي بالخصوص التذكير بالكثافة والمودة اللَّتَيْن تطبعان العلاقات البرلمانية، على كل المستويات : رؤساء المجالس التشريعية الأربعة، رؤساء لجن الشؤون الخارجية، الفرق والمجموعات البرلمانية، ومجموعات الصداقة. وخلال المرحلة الراهنة، أَتاحت المناقشات بين البرلمانَيْن إِمكانية إِعادة تفعيل وتكثيف العلاقات الثنائية.
1- وقد عبر ممثلوُ البرلمانَيْن عن ارتياحهم للزخم الجديد الذي أُعطي للعلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ملك المغرب، وفخامة الرئيس إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، في أعقاب لقائهما في قصر الإِليزيه، بتاريخ 10 أبريل 2018. وإن تقارُبَ وجهاتِ نظر قائدَيْ البلدين وإرادةَ التعاون اللذين برَزَا خلال هذا اللقاء، لَيَشْهَدان على قوة ونضج العلاقات بين البلدَيْن. ويظل كلٌّ من المغرب وفرنسا شريكاً كبيراً أحدُهما للآخر، لهما مصالح مشتركة في العديد من الملفات الجهوية والدولية، ويعملان معاً على طرح حلول للمعضلات الرئيسية في عصرنا. ومن ثَمَّ فإِن تعاوُنَهما مدعوٌّ بالخصوص إلى خدمة رؤيةٍ تتجهُ صوب فضاءَيْن أورومتوسطي وأورو أفريقي منفتحَيْن ومتمتِّعَيْن بالسلام، والمساعدة على التضامن والتبادلات الإِنسانية، والاقتصادية والثقافية.
2- كما حَيَّا ممثلو البرلمانَيْن عودة المملكة المغربية، العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الأفريقية، إلى أسرتها المؤسَّسية القارية. وإن تقوية الاتحاد الأفريقي التي تمت، لَتَفْتَحُ آفاقاً جديدة واعدة لتعاون ثلاثي الأطراف بين المغرب، فرنسا وأفريقيا، وذلك لفائدة تنمية مستدامة مشتركة متضامنة في فضاءٍ أورومتوسطي وأورو أفريقي يتطور في أجواء من السلم والاستقرار والرفاه المشترك.
3- وفيما يخص الاستقرار السياسي، سَجَّلَ البرلمانيون الفرنسيون والمغاربة الأهمية التي تم إِيلاؤها لتقوية مؤسسات الدولة، خصوصاً في البلدان التي تعتبر ضحية للنزاعات المسلحة، والتطرف، وسوء التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وهو استقرارٌ سياسي تُسنِدُه مؤسسات قوية، يضمن التطور الديموقراطي، ويَعِدُ بالسلم الاجتماعي ويؤمن نموا اجتماعيا-اقتصاديا ملائما. وإن فرنسا والمغرب، اللذَيْن لهما تاريخ مؤسساتي مُتَعدِّد الأَعراق ورسوخ متوسطي وأفريقي قوي، لَيَجِدَّانِ في تعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة التي يتطلعان إِلى جَعْلِها محصَّنَة من الفقر والعنف والمآسي الإنسانية. ومما لاشك فيه أن المُشَرِّعين المغربي والفرنسي يضطلعان بدور محوري في هذا المجال.
إن انعدام الاستقرار السياسي يفضي إلى انعدام الأَمن الذي يسود منطقة الساحل-جنوب الصحراء وأفريقيا الوسطى، مما يُشَكِّلُ أرضية خصبة للتطرف، والغُلُوّ وتهريب البشر.
وقد اجتمع البرلمانيون على كلمةٍ سَوَاء في إدانتهم القوية لمظاهر اللاَّتسامح والكراهية والإِرهاب، الذي يقتل في جميع أرجاء العالم دون تمييز لأصل أو لنوع أو لثقافة أو لعقيدة أو لدين.
إن الوضع في ليبيا يشكل انشغالاً مشتركاً لدى ممثلي البرلمانَيْن. وإنهم ليُعبٍّرون عن دعمهم الكامل للحوار الليبي-الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة.
وخصوصا اتفاق الصخيرات المبرم في 17 دجنبر 2015، والالتزامات المضمنة في تصريح باريس المؤرخ في 29 مايو 2018.
4- وبخصوص موضوع الهجرة والتنقل، عَبَّر المشاركون في المنتدى عن ارتياحهم للتعاون بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية وآفاق تطويره. ويعتمد هذا التعاون تدبيراً لتدفقات المهاجرين قائماً على التشاور واحترام حقوق الإنسان، إِنْ على المستوى الثنائي مثلما في إطار العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وإذْ يُذَكِّرون بأن معضلة الهجرة، في أفريقيا، هي أولاً معضلة أفريقية-أفريقية، حيث أن أربعةً من خمسةِ مهاجرين أفارقة يمكثون فوق تراب القارة، فقد عبروا عن تطلعهم لسن سياسة للهجرة على المستوى القاري في مساعدة الاتحاد الأوروبي و المجتمع الدولي، من منظور تنموي مشترك، كما يدينون بشدة شبكات تهريب البشر التي تستغل بلا وَازِعِ ضميرٍ جموعَ المهاجرين وتجعلهم عرضة للاستعباد.
لم يَفُت المنتدى أن يُثَمِّنَ حِرَاكاً مضبوطاً، في سياق العولمة، يمكن من هجرة منظمة وشرعية تساعد على ردْم الهُوَّة بين الشمال والجنوب من خلال تنقل جيد للممتَلَكَات، والأشخاص، والرساميل، والمعارف، والكفاءات والخبرات.
, أشاد المشاركون في المنتدى بإسهام الهجرة التي تتم في إطار حِرَاك مضبوط في خلق دينامية اقتصادية وإثراء ثقافي لدول الاستقبال، وقد ثمنوا في هذا الإطار السياسة الإرادية التي مكنت المغرب من تسوية وضعية 50.000 منذ 2014 أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وكذا سياسة الإدماج التي تنهجها فرنسا،
وشدد المشاركون الذين. يتقاسمون هاجس التقليص من تدفقات الهجرة غير الشرعية، على تكثيف تعاونهما في هذا المجال، ولا سيما فيما يتعلق بمراقبة الحدود وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية غير قانونية ، مشيرا إلى أن الرباط وباريس اتفقا، في هذا الاطار، على ايلاء أهمية خاصة للساكنة الأكثر هشاشة والأكثر عرضة للهجرة.
5- وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، ثَمَّنَ البرلمانيون تطور العلاقات المغربية الفرنسية التي تحولت تدريجياً نحو شراكة حقيقية رابح-رابح، والتي بفضلها، من ضمن أشياء أخرى، غدت فرنسا أول مستثمر أجنبي في المغرب، وأصبح المغرب رائداً لصناعة السيارات في أفريقيا.
كما أبرزوا إمكانية تنمية روابط التعاون بين البلدين، عبر مسار مزدَوَج : أفريقيا، كشريك تقليدي لفرنسا حيث أصبح المغرب أكثر حضوراً على المستوى الاقتصادي، وأوروبا وتحديداً الاتحاد الأوروبي الذي تشكل فرنسا أحد أركانه الأساسية، والذي يَحْظَى لديه المغرب بوضع متقدم.
6- وبخصوص إمكانيات التعاون من أجل تنمية مستدامة، استحضر ممثلو البرلمانين عدة أوراش للعمل المشترك مع البلدان الإفريقية ، إن في مجال تطوير قدرات المؤسسات البرلمانية أو فيما يتعلق بالآفاق اقتصادية وقطاع التربية و التعليم، معتمدين في ذلك على مرجعية منتدى المناخ (COP 21) الذي ترأسته فرنسا في سنة 2015 والمنتدى الذي ترأسه المغرب في سنة 2016 ،(COP22).
وعبر ممثلو البرلمانين عن قناعتهم أن مكافحة التطرف والإرهاب تستوجب إلى جانب المقاربة الأمنية، مبادرات تنموية.
7- وحَيَّا ممثلو البرلمانَيْن الموقف الثابت للسلطات الفرنسية الخاص بقضية الصحراء، والذي تدعم فرنسا بموجبه الجهود المبذولة في إِطار الأمم المتحدة قصد التوصل إِلى حل سياسي معتبرةً خطة الحكم الذاتي المغربي قاعدة جِدِّية ذات مصداقية من أجل حل تَفَاوُضي طبقاً لقرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
8- يسجلُ ممثلُو البرلمانَيْن حيوية العلاقات التي تربط بين الرباط وباريس في المجالات الثقافية والجامعية، كعربون على عمق التَّعَرُّف المتبادل (بين البلدين والشعبين الصديقين). وإذ يجدر التذكير بأهمية الجالية المغربية التي تعيش في فرنسا والجالية الفرنسية في المغرب اللتين تمدان جسوراً إِنسانية من شأنها دائماً أن تخلق وشائج راسخة ومصيراً مشتركاً بين الشعبين المغربي والفرنسي، فإن البرلمانيين المشاركين في هذا المنتدى يعتبرون، أكثر من أي وقتٍ مضى، أن الشراكة الفرنسية-المغربية ينبغي أن تعكس هذه العلاقات المتميزة بين الشعبين.
9- وفي ختام هذه المناقشات المثمرة، فإن ممثلي البرلمانَيْن المغربي والفرنسي قَرَّروا مواصلة أشغالهم والإِعداد للمنتدى البرلماني الفرنسي-المغربي المقبل الذي ستحتضنه فرنسا في سنة 2020.