النهار24 .
على غرار باقي دول العالم، كان للمغرب نصيب من الجائحة العالمية الممتدة في الزمان والمكان، والتي انتقلت إليه عبر الوافدين من المناطق الموبوءة، فكان لزاما على بلدنا المغرب أن يتعامل مع هذا الوافد المقيت، الذي يترصد بمواطنيه ليعصف بحياتهم ويدمر سير الحياة برمتها. ونظرا للسرعة المفرطة التي ينتشر بها الفيروس، وتعدد مظاهر انتقاله بالإضافة إلى تأثيراته وتبعاته المدمرة على الإنسانية والسير العادي لكافة قطاعات البلد ومؤسساته، فيبقى لا محيد عن تجند بلدنا بجميع طاقاته وإمكانياته وموارده وانخراط الجميع في خوض معركة الحياة، بكل الأطياف، بقبضة واحدة ومتماسكة تحت التوجيهات الملكية السامية وباقي المؤسسات الرسمية.
فما هي مظاهر تصدي المغرب لجائحة كورونا؟ وإلى أي حد توفق المغرب في معركته العسيرة؟ وما هي الدروس والعبر التي برزت من خلال هذا الامتحان المباغث؟
لعل الجميع يسجل أن المغرب كانت له الاستباقية في اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات الاحترازية والوقائية لتجنيب البلاد وصول هذا الوباء لإقليمه الترابي وتجنيبه ويلاته، مستغلا بذلك ما توافد إليه من أبناء الدول المكلومة، وقيامه بدراسة نقدية وتحليلة لتجاوز هفواتها التي تمركزت بالأساس في إغلاق الحدود عن كافة البلدان، وكذا فرض تدابير احترازية وقائية صارمة والانتقال بشكل سريع إلى مرحلة الحجر الصحي وتقييد الحركة بالبلاد، مع ما يستتبعه من وقف سير جل المرافق والمؤسسات، وإن كان من شأنها شل عجلة الاقتصاد والسير العادي للبلد.
لكن المغرب أعطى الأولوية لصحة وسلامة مواطنيه وقدّمها على كافة الأجندات الأخرى، وفي هذا الصدد اتخد مجموعة من الإجراءات القانونية والتنظيمية، عبر إصداره بتاريخ 24 مارس 2020 مرسوم عدد 2.20.293 المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة بسائر أرجاء التراب الوطني، والمرسوم بقانون 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية والإعلان عنها بسائر أرجاء التراب الوطني، ليلائم المغرب خطواته وفي أحلك الفترات مع ما تمليه القوانين وتنزيل المضامين الدستورية والحقوقية، بعيدا عن كل تجاوز للسلط.
وأعلن المغرب بناء على التعليمات السامية لملك البلاد، عن إحداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا بمقتضى مرسوم عدد: 2.20.269، وذلك لإنجاح التدابير المفروضة جراء الإعلان عن حالة الطوارئ والحجر الصحي، إضافة إلى مجموعة من الخطوات العملية التي تم القيام بها لمنع ترويج الإشاعات وتهويل الناس وضبط أسعار المنتجات وحماية المستهلك، مع الحرص على توفير المواد الضرورية والقدر اللازم والأثمنة المناسبة. ومزال المغرب متابع بدقة لمجريات الأحداث وتطورها لمواكبة الجائحة بكل التدابير المطلوبة وعلى كافة المستويات والمجالات.
وبجرد موجز لأهم الخطوات الإجرائية والعملية التي إتخرها المغرب، يبقى السؤال المطروح هو مدى نجاعتها في كبح جماح الوباء وتجاوز جائحته بأقل الخسائر؟ والجواب على هذا السؤال قد يكون سابقا لأوانه، طالما أن تقييم الأداء وحصر الظاهرة ينبغي أن يكون بعد انتهاء فترتها وتوليها برمتها. لكن طالما أننا مازلنا في وسط المعركة مع هذا الوباء، فلا مانع من إبداء الرأي في النتائج الأولية الجهود المبذولة، والتي لا يمكن لأي عاقل أو محلل موضوعي إلا أن يشيد بنموذج المغرب والنتائج الإيجابية المسجلة جراء الخطوات الناجعة التي سلكها.
فلا يخفى على أحد أن المغرب يعدّ وجهة سياحية وقبلة للوافدين من مختلف الأقطار، خصوصا الدول الأوروبية التيبلغ منها الوباء مستوى كارثيا، فكان التعجيل بإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية، وكذلك حظر التجول غير المأذون به أثر إيجابي في الحيلولة دون انتشار الفيروس والتقليص من رقعته، كما أن انخراطه السلطات العمومية بمختلف تصنيفاتها باستماتة والتزام كبيرين في التحسيس والتوعية وفرض احترام التدابير الوقائية المسطرة من قبل وزارة الصحة بتنسيق مع وزارة الداخلية عزز بدوره تقليل عدد المصابين الذي كان هينا مقارنة مع باقي الدول، إلا أن صعوبة الكشف المبكر عن المصابين بالفيروس، الذي تطول مدة احتضانه دون بروز علامات واضحة له مع إمكانية انتقاله ضاعفت من مخاطر الوباء وارتفاع أعداد المصابين تدريجيا، خصوصا أن المجتمع المغربي لم يسبق له تلقى تداريب وتكاوين عن كيفية التعامل مع الأوبئة والكوارث الطبيعية، إضافة إلى أن السلوك المجتمعي المغربي في طبيعته ميسر لإنتقال الفيروس من قبيل تبادل التحية بالأيادي والقبل وإرتياده للأسواق الأسبوعية المكتظة وعدم اعتياده على استعمال المعقمات والكمامات الواقية من الرذاذ إلى غيرها من السلوكيات المجتمعية السائدة، ما حدى بالدولة وفي إطار تحيينها لكافة التدابير، أن تفرض ارتداء الكمامات تحت طائلة عقوبات حبسية وغرامات مالية ومنع الصلاة في المساجد والتواجد في الأسواق الأسبوعية، لما تشكل من مناخ يسهل إنتشار الوباء به.
وعلى الرغم من كل هذه الجهود المبذولة من جميع الأطراف المتدخلة مشكورة، بما فيهم الأطقم الطبية، التي ضاعفت من وثيرة عملها لما يتجاوز القدرة الإنسانية وفاء لنداء الوطن فارتفعت بالموازاة أعداد الحالات التي شفيت من الفيروس وتمة مضاعفة الكشوفات والتحاليل الطبية على المخالفين والمشكوك في إصابتهم، وما يفاقم من خطورة الوباء أنه متجدد، وقد يتخد صورا لم يتوصل لها البحث العلمي الذي يواصل عمله الدؤوب لإيجاب المصل والدواء الفعال.
مما تقدم، يتضح أن بلدنا المغرب وبكل فخر واعتزاز بكل مكوناته وأطره ومؤسساته كان منخرطا بإخلاص ومسؤولية مواطناتية وإنسانية عظيمة في تجنيب المواطنينويلات الوباء والتغلب عليه بأقل الخسائر الممكنة، لكنه كان مناسبة سيئة ليكشف جملة من نقاط الضعف والتقصير في مجموعة من النقط يجب أن تنكب الدولة على تجاوزها من قبل إعداد مخطط وبرنامج محكم يمكن الأسر المعزة والحالات المحتاجة من التوصل بالإعانات اللازمة لبقائها منضبطة والحجر الصحي وضمان إحترام الجميع لكافة التدابير الوقائية والإحترازية المسطرة من قبل الدولة، والعمل على ااستثباب ثقافة تدبير المخاطر والأزماتوالرفع من الإستثمار والميزانية المرصودة لقطاع الصحة والبحث العلمي، وحفظ الله بلدنا والإنسانية جمعاء من كل شر ووباء.