النهار24 .
ذُهل الإخوان في العدالة والتنمية وبُهتوا بمجرد الإعلان عن قرار قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بفاس بمتابعة عبد العالي حامي الدين، المستشار البرلماني والقيادي بذات الحزب، من أجل جناية المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحالته على غرفة الجنايات بنفس المحكمة.
وبعثر القرار أوراق الإخوان في البيجيدي، الذين كانوا يغضون الطرف عن ملف اغتيال ايت الجيد ويحاولون التستر على أخيهم حامي الدين، لما كانت وزارة العدل تحت تصرفهم ومعها النيابة العامة، حيث بدأت الجلبة في صفوفهم بموقف مصطفى الرميد من خلال تدوينة على حسابه بموقع فيس بوك، أعلن فيها عن كفره بالقضاء واعتبر القرار “انحرافا عن جادة القانون وانقلابا في مسار العدالة في المغرب”، هكذا! دون أي اعتبار لمنصبه كوزير ملزم بمبدأ التحفظ والتزام الحياد، وعدم التأثير في مسار القضايا المعروضة أمام القضاء..
وبعد تدوينة الرميد التحق به إخوانه في مجلس النواب الذين حوّلوا الجلسة العمومية، التي انعقدت مساء أمس الاثنين وبحضور وزير العدل محمد اوجار، إلى جلسة خاصة للدفاع عن أخيهم حامي الدين، وهي سابقة أخرى تحسب في سجلّ الإخوان الذين لا يفرقون بين المهام المنوطة بهم والتي انتدبوا من أجلها من طرف المواطنين، وبين الدفاع عن مصالح الحزب ومريدي زاويتهم، وهو ما ردّ عليه أوجار بكل حزم عندما أوقفهم عند حدهم من خلال تذكير كبيرهم في البرلمان، “الادريسي اليزمي”، بأن “السلطة القضائية سلطة مستقلة”، وأن القرار الصادر عن قاضي التحقيق لا يجوز للحكومة أو لوزير العدل أن يعلق عليه “احتراما للسلطة القضائية”..
واستنفر الإخوان أبواقهم الإعلامية التي عمدت على نشر تصريحات أنصارهم ومريديهم، في محاولة للتأثير على مسار القضية وتغليط الرأي العام، قبل أن تعقد الأمانة العامة للحزب اجتماعا استثنائيا تمخض عنه بلاغ ينهل من تدوينة الرميد، من خلال التعابير المستعملة فيه والتأويلات القانونية الغريبة التي جاءت فيه..
بلاغ الأمانة العامة للحزب عبر عن الاستغراب والإندهاش ذاته الذي عبر عنه الرميد على الفيس بوك، وذكر البلاغ، بان قرار قاضي التحقيق يعد خرقا “للفصل 126 من الدستور، والمادة 4 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على سقوط الدعوى العمومية بصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به، وضدا على المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تقول إنه لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة على جريمة سبق أن أدين أو برئ منها بحكم نهائي”.
كما اعتبرت الأمانة العامة للبيجيدي أن هذا القرار “شكَّل مسا بليغا بقواعد المحاكمة العادلة وسابقة تهدد استقرار وسيادة الأحكام القضائية وتمس في العمق بالأمن القضائي”!
والحقيقة أن ما لم ينتبه إليه الإخوان في العدالة والتنمية، أو بالأحرى ما يتجاهلونه عن عمد وسبق إصرار، هو أن قرار قاضي التحقيق استند إلى حيثيات ومستجدات في الملف تفيد مشاركة حامي الدين في عملية القتل، وليس مساهمة في مشاجرة أدت إلى القتل، التي حوكم من أجلها بسنتين سجنا نافذا..
القرار الذي أغضب الإخوان أبان عن جهلهم للقانون، وعن ضحالة الثقافة الحقوقية لدى من أشار عليهم بهذا التأويل الخاطئ للقاعدة القانونية عدم تعريض أحد مجددا للمحاكمة على جريمة سبق أن أدين أو برئ منها بحكم نهائي، أو ما يصطلح عليه في اللغة القانونية ب”Non bis in idem ” بمعنى انه لا يمكن إصدار حكم مرتين على أساس نفس الفعل..
وفي محاولة اللعب على حبليْن، كما دأب على ذلك، عبر الحزب عن “اعتزازه بالتراكم الذي حققته بلادنا في مجال حقوق الإنسان،” وفي نفس الوقت اعتبر “هذا القرار الذي يتزامن صدوره مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان قرارا يسير في الاتجاه المعاكس، ويمس بقواعد دولة الحق والقانون، كما تدعو إلى تكريس القواعد الأساسية للمحاكمة العادلة وتحقيق الأمن القضائي؛”!، وهو ما يسري عليه قول المغاربة بأن الحزب “يكوي وبخّ”..
والأخطر من ذلك هو اعتبار الامانة العامة للحزب بأن تضامنها مع حامي الدين يتجاوز “مجرد تضامن حزبي إلى نداء لإعلاء مبادئ دولة الحق والقانون وتحصين القضاء، وتؤكد أن ملفه هو ملف للحزب ولكافة الحقوقيين والغيورين على دولة الحق والقانون”، وهو ما يعني أن الحزب يدعوا إلى الفتنة ويحرض ضد القضاء الذي كان ينعته إلى وقت قريب بالمستقل والنزيه، أيام كان الرميد يتربع على كرسي وزارة العدل والحريات وكانت النيابة العامة تحت إمرته، وهي السنوات التي حاول فيها التستر على قضية حامي الدين وعرقلة الدعاوى المطالبة بإعادة محاكمته على أساس مشاركته في جريمة قتل ايت الجيد بنعيسى وليس كمساهم في مشاجرة أدت إلى القتل، بعد أن أوهم المحققين والقضاء بأنه كان ينتمي إلى فصيل الطلبة القاعديين أي نفس الفصيل الذي ينتمي إليه القتيل بنعيسى ايت الجيد.
إن حزب العدالة والتنمية من خلال سلوكياته، كشف عن وجهه الحقيقي وانه لا يؤمن بدولة الحق والقانون وبالمؤسسات الدستورية، وأن أبسط قضية تمس احد أعضائه أو تشكل خطورة على مصالحه، قد تجعله يكفر بكل ما أنجزه المغرب من إصلاحات في مجال القضاء والقوانين المؤطرة للحياة بالبلاد، وها هو الوزير الرميد يؤكد ذلك من خلال خرقه لمبدأ التحفظ والحياد، سواء في تدوينته على الفيس بوك او من خلال ترأسه للجنة المنبثقة عن اجتماع الأمانة العامة الاستثنائي، ل”متابعة الملف والتفاعل مع تطوراته، وتوفير الدعم والمساندة اللازمين” لأخيهم عبد العالي حامي الدين.
إن ما أقدم عليه الإخوان في العدالة والتنمية يدخل في إطار قاعدة “انصر أخاك ظالما او مظلوما” التي اْجْتُثَّتْ من بيئتها وحرّفت عما كان يقصد بها الرسول…