الخميس 03 مارس 2024
spot_img
الرئيسيةمجتمعمعطل صحراوي صامد .

معطل صحراوي صامد .

بقلم الباحث : عبدالمولى بابي .

   لقد صدق الولي البشير بن محمد لما أخبروه ذات يوم بقولهم: “يا بابي ألڭاوا الفوسفاط” فأجاب: ڭولوا ڭام لعياط”، نعم لقد اندلع النزاع في الصحراء وتعالت الأصوات بالأحقية فيها من شنقيط جنوبا إلى مدريد شمالا، ومن الجزائر شرقا إلى الرباط غربا، بين متذرع بالجغرافيا والتاريخ، وآخر بالروابط العرقية، وآخر بحسن الجوار وسمو الأخلاق، ناهيك عن من هو مستقو بواقع الحال، لقد ظلت ولا زالت الصحراء طوال تاريخها ذاك الكنز الذي يجلس عليه الفقير، شهدت بسببه حراكا وتوترات أسالت دماء ومدادا كثيرا، إن الناظر والمتابع لحراك المعطلين الصحراويين هذه الأيام، فحتما لن يفصله عن سيرورة تاريخية من نضال الإنسان الصحراوي بربوع الساقية والوادي من أجل الكرامة، الاختلاف فقط بين كل مرحلة وأخرى هو في الآليات، الأساليب والتمظهرات، من هذا المقام لا يسعني إلا أن أن أوجه تحية نضالية إلى تلك الحناجر المبحوحة التي ظلت طوال هذه السنون تصدح بشعارات يخفق لها القلب قبل العقل من قبيل: “يا هذيك يا هذاك شوف شوف أولادك أڭراوا أڭراوا إلين أخلاوا زرڭوهم يزڭاوا، تكلمونا على التغير على ملف وقضية حرمونا من التشغيل سياسة عنصرية”، نعم لقد صدقتم بقولكم “خيراتنا كفيلة بتشغيلنا، خيراتنا ما رينها ولا راتنا”، فماذا رأى الصحراويين من عائدات الفوسفاط إبان حكم الإسبان سوى أعمال السخرة والإهانة، والتي ما زالت إلى حد الآن ممتنعة عن تسوية العديد من ملفات هؤلاء، نظير ماذا تأخذ هذه الأخيرة حصة الأسد مجانا من هذه المادة استنادا لاتفاقية مدريد؟ هل نظير مشاريعها العملاقة من بنيات تحتية وطرق سيارة خلفتها بالمنطقة، أم نظير انسحابها الفوضوي من الإقليم تاركة إياه يغرق في حرب ونزاع يكاد لا يراوح مكانه إلى اليوم، أم نظير قصف طائراتها لخيام البدو في عمليتها المشؤومة المكنسة ECOVVILLON؟ أليس حري بالجهات الوصية على تدبير هذا القطاع في إطار الشفافية والمصداقية التي نتغنى بها صباح مساء تنوير الرأي العام المحلي والوطني، بتبرير لماذا نقدم هذه الغرامة لبلد استعمرنا وأذلنا فعوض أن نرغمه على الاعتذار والتعويض عن سنوات الاحتلال كما يسعى له أشقاؤنا الجزائر مع فرنسا، نعطيه قوت يومنا وبناتنا وأبناؤنا يداسون في الشوارع ويزج بهم في المعتقلات، ونصفنا الآخر يتوسل الدول والمنظمات لسد رمقه؟ لقد استبشر الكل خيرا السنوات الخمس الأخيرة عقب أحداث أكديم إزيك وما تلاها من مبادرات بدء بعملية التوظيف المباشر لبعض المعطلين من حملة الشواهد بالمنطقة، وإدماج بعض أبناء متقاعدي شركة فوس بوكراع للاشتغال في هذا القطاع، ثم دستور فاتح يوليوز 2011 م، وإجراء استحقاقات تشريعية مبكرة أوصلت إخوان بنكيران لسدة الحكم، فرفعت شعارات: ربط المسؤولية بالمساءلة والقطع مع سياسة الريع والمقاربة الأمنية، ونهج مقاربة تنموية قائمة على الحكامة الجيدة وهلم جرا من المفاهيم والعبارات الرنانة، ناهيك عن التصريحات والخطب الرسمية التي أذيعت على أعلى مستوى، والمسؤولين الذين صالوا وجالوا المدن الصحراوية، وتحدثوا كثيرا مبشرين بجهوية موسعة ومتقدمة صدارتها من الأقاليم الجنوبية على حد قولهم، فأولى قطرات غيث هذا الوعد الموعود رياح عاصفة، تجلت في بوابة إلكترونية للتشغيل افتتحتها شركة فوس بوكراع، تضع شروط تكاد تكون تعجيزية أو بالأحرى مناورة للالتفاف على حقوق ومكاسب الصحراويين، وذلك باقتصارها على تخصصات ناذرة وطنيا ومحليا لا مؤسسات أصلا لتلقينها في جلها، مما يبين أنه عذر أفضع من زلة، فعوض أن تستحضر الشركة المذكورة كل هذه المعطيات وتعمل على إدماج أبناء المنطقة للاشتغال في مصالحها، واستدراك تكوينهم في هذا المجال كما سبق وأن أعلنت عن ذلك لسد الثغرات المعرفية لهم في هذا الاختصاص، والتغطية على السياسة التعليمية للدولة التي أقل ما يمكن وصفها به غير الموجهة ولا تتلائم مع متطلبات سوق الشغل بالمنطقة، إن لم تكن مقصودة بدليل من الممتنع حتى الآن عن بناء مجرد نواة جامعية متعددة التخصصات وبالأحرى معاهد ومدارس عليا؟ وكأن به قول ابن القيم رحمه الله:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة   وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

مما يبين النية المبيتة والمقصودة أصلا لإقصاء أبناء المنطقة من هذه العملية وحرمانهم من تصدر مناصب المسؤولية في هذا القطاع، وحشرهم كما العادة في جانب الأعمال الشاقة واليدوية بذريعة عدم توفر التخصصات المطلوبة، في تكريس جلي ومفضوح لحق أريد به باطل لا يخرج عن دلالة المثل الحساني: “حيوان بويا يصدڭ اعليا من”، فأدنى الأرض يريك أقصاها بعدم تبلور النية الحقيقية بعد لتنمية شاملة للمنطقة، في تناقض صارخ مع التعهدات الرسمية في هذا الجانب التي ما فتئت توقع بين الفينة والأخرى، بدء من زيارة السيدة بنشقرون التي روج لها بشكل كبير إعلاميا بأنها مصالحة تاريخية مع ساكنة الجنوب بطعم اقتصادي، التزمت خلالها رئيسة “الباطرونا” بإطلاق أكثر من ستين مشروعا، واستثمار ما يربو عن أربعة مليارات درهم، وتوفير أزيد من عشرة آلاف منصب شغل للشباب العاطل في المنطقة، إلى ما أعلن عنه مؤخرا من نموذج تنموي جديد للأقاليم الجنوبية يخترق فيه القطار الفائق السرعة مسافات البيداء الطوال في ساعات معدودة، وتتحول فيه الكثبان الرملية لأجريفية إلى جنة نعيم خضراء، فأين توصيات مجلسك يا نزار يا بركة من كل هذا وذاك؟ وما عسى مجلسك الأعلى فاعل يا إدريس؟ وأين مكاتب تواصل ممثلينا في قبة البرلمان الذين جلهم نشيط في مواقع التواصل الاجتماعي باستعراض رحلاتهم السياحية الدبلوماسية؟ وأين الأحزاب التي أقسمت بأغلظ الأيمان أنها مع الشعب وإلى الشعب، وضمنت في برامجها الانتخابية ملف المعطلين وارتدت زيهم؟ أين القنديل والميزان؟ أين السنبلة والجرار؟ وأين الحمامة والحصان؟ وأين شيوخ المليون؟ و أين لجان حقوق الإنسان؟.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات