النهار24.
لم تكن إقالة إبراهيم غالي لمدير تلفزيون الرابوني، محمد سالم ولد العبيد، البوق الدعائي، الذي طالما استعمل لتسويق الأكاذيب وتلميع صورة عصابة شاخت على كراسيها، وتعويضه بشخص مغمور، يدعى سيد أحمد أحمد محمود، المعروف بـ”الدحة”، سوى مظهر جديد من مظاهر الوهن، الذي أصبح ينخر جسد “بوليساريو”، ودلالة واضحة على التخبط الذي أصاب غالي وزمرته، في بحثهم عما قد يحفظ ماء وجوههم أمام سكان المخيم، الذين يدركون أن تلفزيون “بوليساريو” ليس سوى منصة للشحن الإيديولوجي، ومحاولة تزييف وعي الصحراويين بالواقع المر الذي يعيشونه، وهو اليوم لا يفضح إلا فشل من صنعوه وأفلسوا معه، بعدما تحول إلى واجهة خاوية تكشف الانهيار بدل أن تستره.
وقد جاء قرار إقالة محمد سالم ولد العبيد، في سياق منطق مألوف لدى عصابة الرابوني، ألا وهو إعادة تدوير الوجوه، وفق معادلة الولاء والإخضاع والترضيات.
فالتغيير هنا لا يعني إلا تبادل أدوار بين أشخاص يتم اختيارهم، ليس لكفاءتهم أو خبرتهم، وإنما لمدى استعدادهم للخضوع المطلق لأوامر القيادة، ليصبحوا مجرد واجهة مؤقتة، يتم استعمالها طالما تؤدي وظيفة الطاعة والتبجيل، ثم تزاح فورا، بمجرد أن يلوح منها أي ميل لتجاوز الخطوط الحمراء، وهذا ما حدث مع ولد العبيد، الذي أصبح، في نظر غالي، عبئا يجب التخلص منه، خشية أن يتحول إلى شخصية تملك بعض النفوذ أو الشرعية الرمزية لدى الأسياد بمكتب التنسيق العسكري الجزائري.
ولذلك، كان الحل هو تنصيب شخصية مغمورة لا تمتلك أي تجربة، فقط لضمان أن تبقى وسائل الدعاية بيد زعيم الرابوني يستخدمها متى شاء ولم يشاء.
لكن، مع مرور الزمن وتغير المعطيات فوق الأرض وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، سقط القناع عن دعاية فارغة لم تعد القيادة نفسها مقتنعة بها، وظهرت إلى العلن حقيقة “بوليساريو”، التي لم تعد تملك غير خطاب متهافت يلوك الأسطوانة المشروخة نفسها حول “الانتصارات الوهمية” و”التقدم الميداني”، في حين أن الصحراويين بالمخيم يرون يوميا واقعا مناقضا تماما لتلك الادعاءات: بؤس مطبق لا مفر منه، وفقر ممنهج يدار بوعي كامل، وقمع متواصل، يمنع حتى أبسط أشكال التعبير، وبنية حياة خانقة فرضتها الجزائر عن قصد وإصرار، حتى تبقي المخيمات تحت سيطرتها المطلقة.
ويكفي أن يفتح الصحراويون هواتفهم ليدركوا حجم الفارق بين عالمين لا يلتقيان: فمن جهة، شاشات تنقل، بالصوت والصورة، مشاريع عملاقة في العيون والداخلة والسمارة، من طرق وموانئ ومستشفيات، واستثمارات تتدفق لتصنع مستقبلا حقيقيا على الأرض، بينما تلفزيون الرابوني، العالق في الماضي، لا يملك سوى صور أرشيفية موغلة في التحريض على الكراهية والعنف.
يظن إبراهيم غالي، بقرار استبدال لعبيد بالدحة، وبعد نصف قرن من اجترار الأسطوانة الدعائية نفسها، أن تجديد أبواق الرابوني قد يبعث الحياة في مشروع مترهل لفظه الزمن، فيندفع متأخرا ليبدل الوجوه، ويعيد طلاء الواجهة المتشققة، وكأن الطلاء سيخفي الخراب، أو النفخ سينعش جثة متحللة، غير أن الصحراويين على أرض لحمادة، يعرفون قبل غيرهم، أن المسرحية انتهت، وأن كل ما يباع لهم ليس سوى أوهام، فالشباب الذين نشؤوا على صور وخطابات جوفاء، يرون اليوم بأعينهم التنمية في مدن الصحراء المغربية، ويقارنونها بالبؤس الممنهج، الذي تصنعه الجزائر فوق رمال لحمادة، لتتحول محاولات “التجديد الإعلامي” المزعوم إلى نكتة سمجة تفضح عجز القيادة أكثر مما تستره، وتثبت أن “بوليساريو” لا تملك سوى إعادة تدوير الوهم بأبواق جوفاء، لم تعد تصرخ إلا في فراغ


















