النهار24 .
تواصلت أشغال المؤتمر الدولي الخامس حول القدس المنعقد بالرباط، اليوم الأربعاء، بالتأكيد على مركزية القدس في إحلال السلام في الشرق الأوسط والاستقرار في العالم بالنظر إلى رمزيتها الكبير لدى أتباع الديانات السماوية الثلاث.
وأكدت مداخلات المشاركين في أشغال المؤتمر (26-28 يونيو) أن التطورات الأخيرة في القدس تمثل منعطفا حقيقيا وتهدد بنسف التوافق العالمي الذي استمر لفترة طويلة بهدف التوصل إلى حل الدولتين، خصوصا بعد القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.
وفي هذا الصدد، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، ميروسلاف جينكا، إن استمرار المشاريع الاستيطانية والتوسعية في الضفة الغربية المحتلة، بما ذلك القدس الشرقية، يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام؛ مبرزا أن هذه المشاريع هي غير قانونية بموجب قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ويجب وضع حد لها.
وأكد المسؤول الأممي أن الوضع في القدس أكثر مدعاة للقلق، على اعتبار أن المدينة تحمل رمزية كبيرة ليس بالنسبة لفلسطين وإسرائيل فحسب، وإنما لمنطقة الشرق الأوسط وخارجها.
وشدد على أن الأحداث الأخيرة في القدس تتعارض مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومن شأنها أن تشجع الأصوات المناوئة والعدائية من كلا الجانبين وأن تؤدي إلى تضاؤل الآمال في التوصل إلى حل سلمي ودائم؛ مشيرا إلى أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى اتخاذ إجراءات فعالة ومنسقة، بالنظر إلى تضاؤل التوافق العالمي الذي امتد لعقود”.
ومن جانبه، أكد سمير بكر، الأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامي لشؤون فلسطين والقدس، أن قضية القدس الشريف تحظى بصدراة اهتمام وأولويات المنظمة ومبادراتها السياسية، وأن كافة التطورات السياسية لن تؤثر على مكانة مدينة القدس التي تجسد القضية المركزية للمنظمة؛ مشيرا إلى أن هذا الاهتمام “نابع من عدالة هذه القضية وأهميتها في مختلف الأبعاد، بوصفها سياسيا عاصمة دولة فلسطين، وتحظى بقيمة تاريخية وحضارية خالدة، ومكانة روحية للأديان السماوية الثلاث”.
وشدد في هذا السياق على الموقف المتجدد الرافض لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس “عاصمة لإسرائيل”، ونقل سفارتها إليها، لما يمثله ذلك من انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة ذات الصلة”، داعيا الولايات المتحدة الأمريكية إلى الالتزام بالقانون الدولي من أجل تحقيق السلام الشامل القائم على رؤية حل الدولتين.
وعبر بكر عن الأسف جراء فشل مجلس الأمن الدولي في تحمل مسؤولياته في وضع حد للجرائم والانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل، قوة الاحتلال، ووقوفه عاجزا عن اتخاذ إجراءات بخصوص مساءلتها ومحاسبتها”، مثمنا في الوقت ذاته التحرك العربي-الإسلامي المشترك الذي تكلل باستصدار قرار أممي صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 13 يونيو الماضي، بشأن توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
ودعا في هذا الصدد إلى التدخل بمسؤولية وفاعلية، في هذه المرحلة الحرجة، من أجل حماية رؤية حل الدولتين، من خلال الانخراط في رعاية مسار سياسي متعدد الأطراف، لتحقيق السلام العادل والشامل، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
من جهته، أكد رئيس اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، فودي صيك، أن مدينة القدس، مهد الديانات السماوية الثلاث، هي مكان عبادة لشعوب العالم بأسره، وقضية القدس مدعوة لتحتل مركزا معتبرا في أي تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ مؤكدا على أن هذه الأهمية نابعة أيضا من كونها جزءا من الحل النهائي الذي من شأنه أن يتم عبر مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بناء على القرارات التي أصدرتها أجهزة الأمم المتحدة. وأكد أن التطورات الأخيرة تمثل منعطفا حقيقيا وتهدد بنسف التوافق العالمي الذي استمر لفترة طويلة بهدف التوصل إلى حل الدولتين، خصوصا بعد القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية ليها؛ مؤكدا أن اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، والتي تعد عضوا فرعيا للجمعية العامة، قد طالبت الحكومة الأمريكية وباقي الحكومات المعنية التي أقدمت على نقل سفارتها إلى القدس بالرجوع عن قرارتها بهذا الخصوص.
وشدد صيك أيضا على أن المجتمع الدولي مدعو إلى مساندة الفلسطينين بالقدس الشرقية بالدعم المعنوي والدعم السياسي، من خلال الوسائل الدبلوماسية، وكذا تقديم الدعم المادي من خلال تشجيع الجانب التنموي المرتكز على الحق.
من جانبه، تطرق محمد أشتية، ممثل دولة فلسطين في المؤتمر الدولي الخامس حول القدس، لأسباب فشل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ موضحا أنه رغم تعاقب العديد من الرؤساء الأمريكيين، إلا أن الإدارات الأمريكية المختلفة لم تقم بأي ضغط على الإسرائيليين ولم يكن الجانب الأمريكي وسيطا نزيها بين الجانبين.
وأوضح المسؤول الفلسطيني أن” إسرائيل لا تريد حلا وليس لدينا الآن شريك في السلام، إنما تريد فقط استمرار الأمر الواقع الذي يزداد فيه الاستيطان وحصار القدس ولفها بالجدار العازل واعتقال آلاف الشباب واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني”. وأكد السيد أشتية على أن مكونات الحل للصراع في الشرق الأوسط معروفة لدى الجميع وتتمثل في إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين؛ مشيرا إلى أن إسرائيل عملت منذ البداية على تقويض حل الدولتين من خلال تهويد مدينة القدس، وعزل منطقة الأغوار واعتبارها منطقة عسكرية، واستغلال بقية المناطق الفلسطينية المسماة منطقة (س) كخزان جغرافي للاستيطان؛ وحصار قطاع غزة وعزله ومنع التواصل بين الضفة والقطاع.
ومن جانبه، أكد عبد الله صيام، نائب محافظ القدس الشريف، أن الاستقرار في فلسطين يكون بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهو إسهام في استقرار المنطقة، بل في الاستقرار العالمي، هو ضرورة ملحة ولا مجال للرهان على ضعف وإنهاء الشعب الفلسطيني.
وأوضح صيام أن السياسات والمخططات المبرمجة التي تنهجها حكومة إسرائيل تجاه القدس تهدف إلى تهجير وإفراغ المدينة من سكانها، مسلمين ومسيحيين، بحيث لا تزيد نسبتهم على 15 في المئة من إجمالي سكان المدينة، ويجري تهويدها في انتهاك صارخ وواضح لأحكام القانون الدولي وقواعده وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وأشار إلى أن إسرائيل تختلق الذرائع لمصادرة هويات المقدسيين بعد أن تدفعهم مكرهين للرحيل خارج ما يسمى حدود بلدية القدس، أو تسحبها كذلك بذريعة الغياب لفترة طويلة خارج فلسطين (سبع سنوات أو أكثر)، مبرزا أنه تم سحب أكثر من 14 ألف و500 بطاقة هوية منذ عام 1967.
وفي السياق ذاته، أكدت رئيسة قسم العلوم السياسية في جامعة القدس، آمنة بدران، أنه تم إفراغ القدس من سكانها ومصادرة وسرقة أملاكهم، وبعدها تم تقسيم المدينة لتصبح هناك قدس شرقية وغربية؛ مشيرة إلى أنه بعد 1969 أصبحت القدس موحدة عسكريا ولكن مقسمة قوميا، ومارس الاحتلال خلال ذلك “مصفوفة سيطرة” لإحلال شعب مكان آخر، عن طريق سحب الإقامة بحجج واهية، وتغييب المواطن المقدسي الذي تعتبره إسرائيل مواطنا أردنيا مقيما بدولة إسرائيل.
وأكدت على أن عدد الفلسطينيين المقدسيين يبلغ 323 ألفا وهو ما يمثل 37 في المئة من نسبة سكان المدينة لكن 40 ألفا منهم يتهددهم خطر سحب الإقامة بسبب تواجدهم خارج جدار الفصل العنصري.
واعتبرت أن العمل الدبلوماسي على الصعيد الدولي مهم، ولكن الأهم هو دعم الفلسطيين والمقدسيين على الأرض وتعزيز مقومات صمودهم والاستثمار السخي في مجالات التعليم والتنمية والبرامج التوعوية والتكوينية لفائدة الشباب.
وتميزت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، الذي حضره، على الخصوص، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بالرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في هذا اللقاء الدولي، والتي تلاها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة.
وينكب المشاركون في هذا المؤتمر، الذي يمتد لثلاثة أيام، على تقييم مسار أوسلو واستشراف آفاق الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.