النهار24 .
كلمة السيد محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، خلال افتتاح فعاليات الجامعة الربيعية المنظمة لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية يومي 20 و21 مارس 2019 بالسجن المحلي ببني ملال.
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
السيد وزير الصحة
السيدة وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية
السيد وزير الشغل والادماج المهني
السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة
السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة
السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان
السيد رئيس مؤسسة وسيط المملكة
السيد الوالي المنسق الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية
السيد والي جهة بني ملال- خنيفرة وعامل إقليم بني ملال
السيد رئيس جهة بني ملال-خنيفرة
السيد منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء
السيد رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال
السيدات والسادة البرلمانيين
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ببني ملال
السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية ببني ملال
السيد رئيس محكمة الاستئناف ببني ملال
السيد رئيس المحكمة الابتدائية ببني ملال
السيدات والسادة ممثلي الهيئات الديبلوماسية والأممية
السادة رؤساء المصالح الإدارية والأمنية لإقليم بني ملال
السيدات والسادة ممثلي جمعيات المجتمع المدني
السيدات والسادة الأساتذة والخبراء
السيدات والسادة الصحفيين والإعلاميين
حضرات السيدات والسادة
يطيب لي في البداية أن أرحب بكم جميعا بالجامعة الربيعية، وهي النسخة السادسة لبرنامج الجامعة في السجون التي تنظمها المندوبية العامة بهذه المدينة المباركة، بني ملال، تحت شعار “الحماية الاجتماعية للسجناء: تعزيز ودعامة لبرامج التهيئ للإندماج وضمان تحقيق إدماج فعلي وحقيقي”.
وتتميز هذه الدورة بتفضل صاحب الجلالة نصره والله وأيده بإحاطته برنامج الجامعة في السجون برعايته السامية بالنظر إلى الإشعاع الذي حققه هذا البرنامج مع توالي الدورات ولأهدافه التأهيلية والإدماجية النبيلة، وذلك عناية من جلالته حفظه الله بالمواطنين نزلاء المؤسسات السجنية وحرصه الدائم على صون حقوقهم وكرامتهم التي لاتجردهم منها الأحكام السالبة للحرية الصادرة في حقهم.
فبرنامج الجامعة في السجون أضحى برنامجا دوريا قـارا يتم تنظيمه بمعدل دورتين في السنة، وأصبح بعد توالي التجارب فضاء للنقـاش والتحليل حول مواضيع تحظى بالأولوية والاهتمام لدى النزلاء، إذ تساعد في تهيئتهم للاندماج الاجتماعي بعد الافراج من خلال مختلف الفقرات والورشات التكوينية التي يتم تنظيمها لفائدتهم.
ويندرج موضوع هذه النسخة في النقاش الوطني الدائـر حاليا حول الحماية الاجتماعية والذي يستمد مرجعيته من خطاب صاحب الجلالـة نصره الله وأيده بتاريخ 29 يوليوز 2018 بمناسبة الذكرى19 لعيد العرش المجيد، حيث أفرد خطاب جلالته حيزا مهما لمشروع النموذج التنموي الجديد ولضرورة بلورة نظام جديد وفعال للحماية الاجتماعية، حيث قال جلالته في هذا الخطاب:
” إن طموحي للنهوض بالأوضاع الاجتماعية، يفوق بكثير وضع آلية أو برنامج مهما بلغت أهميته.
لذا أدعو الحكومة وجميع الفاعلين المعنيين، للقيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة، للبرامج والسياسات الوطنية، في مجال الدعم والحماية الاجتماعية، وكذا رفع اقتراحات بشأن تقييمها.
وهو ما يتطلب اعتماد مقاربة تشاركية، وبعد النظر، والنفس الطويل، والسرعة في التنفيذ أيضا، مع تثمين المكاسب والاستفادة من التجارب الناجحة….”
انتهى كلام صاحب الجلالة.
وباعتبار الحماية الاجتماعية حـق مـن حقـوق الإنسان الأساسية، فإن المندوبية العامة جعلتها هدفا من أهدافها الاستراتيجية في مجال العمل الاجتماعي، وما اختيار موضوع هذه النسخة من الجامعة الربيعية الذي يتمحور حول منظومة الحماية الاجتماعية للنزلاء وآليات تطويرها إلا ترسيخ لهذا التوجه الاستراتيجي.
حضرات السيدات والسادة
تماشيا مع السياسة الحكومية في مجال الحماية الاجتماعية، انخرطت المندوبية العامة في الدراسة التي أطلقتها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة حول إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية بتنسيق مع كافة القطاعات المعنية، من خلال المشاركة في الورشات الموضوعاتية التي تدخل في اختصاصات المندوبية العامة والتي تم تنظيمها خلال شتنبر 2018 لعرض ومناقشة النتائج الأولية للدراسة. كما شاركت المندوبية العامة في أشغال المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية التي نظمتها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة يومي 12 و13 نونبر 2018 في إطار الورشة المنظمة حول موضوع “مؤسسات الرعـاية الاجتماعية والأشخاص في وضعية صعبة”، وتم بهذه المناسبة إبراز ما يتمتع به النزلاء من رعاية اجتماعية وإثارة التحديات التي تواجهها في تحقيق الأهداف المتوخاة.
وأتمنى صادقا أن يتم تفعيل خلاصات وتوصيات تقرير المرحلة الأولى من الدراسة التي تم إنجازها في سياق هذه المناظرة في شقه المتعلق بالنزلاء بالشكل الذي يمكن من رفع مستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة للنزلاء والنزيلات بالنظر لوضعيتهم كمواطنين محرومين من الحرية.
حضرات السيدات والسادة
إن هذه التظاهرة هي مناسبة لطرح تساؤلات حول مكانة النزلاء ضمن مشروع منظومة الحماية الاجتماعية الوطنية والمقتضيات القانونية ذات الصلة وتدارس السبل الكفيلة ببلورة النموذج الأمثل للحماية الاجتماعية للنزلاء ودور الفاعلين المؤسساتيين الجمعويين في تحقيق غاياتها.
وبالرغم من اعتبار جميع النـزلاء في حالـة هشاشـة، فإن المندوبية العامة تركز أكثر في أولويــاتها المتعلــقة بالحماية الاجتماعية على الحاجيات الخاصة لبعض الفئات الأكثر هشاشة كالنزيلات الأرامل والأمهات المرفقات بأطفالهن والحوامل والنزلاء الأحـداث والمسنين والأجانب وكذا النزلاء في وضعـية إعـاقـة، بالإضافة إلى المصابين بأمراض عقلية الصادرة في حقهم أحكام بانعدام المسؤولية الجنائية والذين يشكلون واحدا من الاكراهات التي تستدعي نقاشـا واسعـا حول مدى قانونية وجدوى إيوائهم بالمؤسسات السجنية.
وفي هذا الصدد، أولت المندوبية العامة أهمية خاصة للحاجيات النوعية لهذه الفئات باعتماد برامج تعد وتنجز بطريقة احترافية، سواء تعلق الامر بالتأهيل للإدماج من خلال برامج التعليم والتكوين ومحو الأمية أو المصاحبة والدعم النفسي والاجتماعي، إضافة إلى التغطية الصحية الأساسية وتحسين ظروف الايواء.
فبالنسبة لبرامج “الرعاية الصحية والنفسية”، فقد تم توقيع مجموعة من الشراكات مع هيئات حكومية وغير حكومية قصد تطوير برنامج الرعاية الصحية والنفسية لعموم النزلاء وتأهيـل الوحـدات الطبيـة بـما يتيـح الرفـع مـن مسـتوى الخدمـات الطبية المقدمة لهم.
وفي إطار “أنسنة ظروف الاعتقال”، وبالنظر للخصوصيات النوعية للفئات الهشة من النزلاء فإن المندوبية العامة اعتمدت استراتيجية تستجيب لحاجيات كل فئة على حدة، حيث يتم إيواء النزلاء الأحداث بمراكز الإصلاح والتهذيب أو في أحياء خاصة بهم داخل المؤسسات السجنية على غرار النزيلات النساء. أكتر من ذلك، أحدثت المندوبية العامة دارين للأمهات بكل من السجن المحلي عين السبع 2 بالدار البيضاء والسجن المحلي الأوداية بمراكش، مخصصتين لإيواء النزيلات الحوامل والمرفقات بأطفالهن. وتخصص في باقي المؤسسات السجنية فضاءات خاصة لهذه الفئة من النزيلات مجهزة بكل ما تحتجن إليه من متطلبات.
وعناية بالنزلاء المسنين وكذا النزلاء في وضعية إعـاقة، يتم حاليا الاشتغال على تعميم الولوجيات على مختلف المؤسسات السجنية قصد تسهيل ولوجهم إلى مرافق المؤسسات السجنية والحرص على رعايتهم الصحية داخل المصحات أو في غرف تتناسب ومتطلبات وضعهم الصحي.
وبخصوص النزلاء “الأجانب”، فإنهم يستفيدون من برامج التأهيل لإعـادة الادمـاج على غرار النزلاء المحليين، كما يتم تمكينهم من مزاولة شعائرهم الدينية والاحتفال بمناسباتهم الوطنية والدينية والاستفادة من المؤن الخاصة بمثل هذه المناسبات بشكل استثنائي، وذلك في إطار تمتيعهم بحقوقهم الثقافية والدينية والاجتماعية وتسهيل إعادة إدماجهم بعد الإفراج.
وبخصوص النزلاء “المتقاعدين”، فقد تم توقيع اتفاقية شراكة مع الصندوق المغربي للتقاعد في مارس 2016، تهم موظفي القطاع السجني والنزلاء المتقاعدين المنخرطين في هذا الصندوق، حيث تهدف هذه الاتفاقية بخصوص الفئة الثانية إلى وضع آلية للتعاون بين المؤسستين في مجال تدبير ملفات المعاشات الخاصة بها من خلال تمكين الصندوق المغربي للتقاعد من المعلومات والمعطيات الضرورية لتسوية الوضعية المعاشية للنزلاء المنتمين إليها.
وبالنسبة للنزيلات “الأرامل والمطلقات”، ستعمل المندوبية العامة بتنسيق وتعاون مع القطاعات الوزارية المعنية على تمكينهن من الاستفادة من البرنامج الحكومي لدعم الأرامل والمطلقات.
إضافة إلى ذلك، انخرطت المندوبية العامة في الخطة الحكومية للمساواة “إكرام” والذي تشرف عليه وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، حيث تلتزم المندوبية العامة بموجب هذه الخطة بتنفيذ مجموعة من التدابير الإجرائية الرامية إلى محاربة كل أشكال التمييـز والعنف ضد المـرأة.
حضرات السيدات والسادة
إن التركيز على هذه الفئات الخاصة لا يعني أن المندوبية العامة تغفل ضمن استراتيجيتها الحماية الاجتماعية الموجهة إلى باقي الساكنة السجنية والتي تشكل الفئة العريضة من النزلاء، إذ بالنظر إلى البعد التأهيلي والإدماجي الفعال للتشغيل، فقد تم توقيع اتفاقية شراكة مع مكتـب التكوين المهني لإنعـاش الـشغل ومـؤسـسة محمــد الـسادس لإعـادة إدمـاج السجنـاء والجمـعية المغـربيــة لـصنـاعـة وتـسويــق الـسيـارات ووزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي تـروم تـكوين النزلاء الـذين اقـترب مـوعـد الافـراج عنــهم في مجـال مهـن الـسيـارات وإدماجهم في سوق الشغل بعد الإفراج. إضافة الى ذلك، تنكب المندوبية العامة حاليا، بتنسيق مع شركائها، على إعداد الإطار المرجعي الذي يسمح بتشغيل النزلاء من طرف القطاع الخاص داخل المؤسسات السجنية.
وتعزيزا لمساهمة الإعلام في صون كرامة النزلاء، فقد تم توقيع مذكرة تفاهم على هامش فعاليات الجامعة الربيعية المنظمة بالسجن المحلي الأوداية بمراكش قصد إعداد ميثاق الإعلام ودور المؤسسات السجنية بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وتم في هذا الإطار عرض أرضية لهذا الميثاق على كافة المتدخلين المعنيين قصد إبداء رأيهم وملاحظاتهم بشأنه واغنائه بما يوفق بين حرية وسائل الإعلام في التعبير والحق الأساسي للنزيلات والنزلاء في صون كرامتهم الإنسانية وحقهم وذويهم في حماية حياتهم الخاصة، إضافة إلى حق المواطن في خبر صحيح ومتعدد المصادر، يحترم أخلاقيات وقواعد مهنة الصحافة.
ورغم كل هذه المجهودات، تتطلب الخصوصيات المجتمعية لقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج تضافر جهـود جميع الفاعلين المؤسساتيين المعنيين وهيئات المجتمع المدني وانخراطهم جميعا، بشكل فعلي وفعال، من أجل بلوغ الأهداف المتوخاة وتحقيق الحماية الاجتماعية للنزلاء، الشيء الذي لا يمكن تحقيقه إلا بإدراج هذه الفئة في جميع المخططات والمبادرات التي تروم الحماية الاجتماعية للمواطنين.
حضرات السيدات والسادة
تتوزع أشغال هذه الجامعة التي يحضرها أزيد من 230 نزيلا على أربع جلسات ستسلط الضوء على التجربة المغربية في مجال الحماية الاجتماعية لنزلاء المؤسسات السجنية ودراسة تجارب مقارنة ذات الصلة، إضافة إلى بحث إمكانية تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي من أجل تعزيز الحماية الاجتماعية لهذه الفئة.
وسيقوم بتأطير هذه الجلسات ممثلون عن القطاعات الحكومية والهيئات غير الحكومية وخبراء دوليون ومحليون، وسيستفيد النزلاء الطلبة من لقاءات وورشات ينشطها الطلبة مع متدخلين يناقشون هذه المواضيع من زوايا تخصصية عدة تتقاطع فيها الأبعاد الحقوقية والقانونية والمؤسساتية والإصلاحية.
وعلى هامش أشغال هذه الدورة من برنامج الجامعة في السجون، سيتم توقيع ثلاث اتفاقيات شراكة. تخص الاتفاقية الأولى الموقعة مع وزارة الصحة ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومؤسسة أمل لمساعدة مرضى القصور الكلوي والأعمال الاجتماعية إحداث وحدة طبية لتصفية الكلي لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية، فيما تتعلق الاتفاقية الثانية الموقعة مع اتصالات المغرب بتعميم خدمات الهاتف الثابت على جميع المؤسسات السجنية لتمكين النزلاء من التواصل مع ذويهم والحفاظ بذلك على روابطهم الأسرية والاجتماعية. أما الاتفاقية الثالثة الموقعة مع جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال فتخص تشجيع البحث العلمي حول الوسط السجني ومتطلبات إعادة الإدماج بما يساهم في بلورة استراتيجية متكاملة للنهوض بقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج.
ولا يفوتني في الختام أن أعبر عن شكري الخالص للسادة الوزراء والسادة ممثلي القطاعات الوزارية الأخرى على حضورهم أشغال هذه التظاهرة وأن أتوجه أيضا بالشكر الجزيل إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان والرابطة المحمدية للعلماء ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء الذين أبانو عن انخراط فعلي وفعال في علاقات الشراكة التي تربط المندوبية العامة بهم، وذلك بمساهمتهم المستمرة في دعم البرامج التأهيلية التي تعدها وتنفذها المندوبية العامة لفائدة النزلاء.
والشكر موصول أيضا إلى ممثلي الهيئات الديبلوماسية والأممية والسلطات الإدارية المحلية والسلطات القضائية وهيئات المجتمع المدني على حضورهم أشغال هذه الدورة من الجامعة في السجون وإلى الأساتذة والخبراء على قبولهم المساهمة في تنشيط وتأطير فقراتها. كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى السيدات والسادة العاملين في مجال الإعلام والصحافة لتغطية أشغالها. كما أتوجه إلى أبنائي النزلاء بالتحية وأهيب بهم إلى الانخراط بمختلف البرامج التأهيلية المنظمة لفائدتهم والتحلي بالانضباط مع متمنياتي لهم بتحقيق ما يصبون إليه من علم ومعرفة وتكوين من أجل مستقبل أفضل.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير بلادنا في ظل القيادة الرشيدة لمولانا الامام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.