النهار24 : حسن أنفلوس .
تسببت أخطاء إدارية وتدبيرية ارتكبتها مجموعة العمران في عرقلة عدد من مشاريعها بأكثر من مدينة، منها مشاريع أطلقتها قبل أزيد من 10 سنوات، وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن تعمل فيه مجموعة العمران، الشركة العمومية، على ترسيخ التدبير الناجع وتنزيله على أرض الواقع، فإنها على العكس من ذلك، هي نفسها تكون سببا في عرقلة مشاريعها وتحميل المالية العمومية أعباء إضافية من خلال مثل هذه الأخطاء التي أدت إلى كثير من العراقيل، منها على سبيل المثال ما وقع في تجزئة المنصورية ببنسليمان ومشاريع أخرى بعدد من المدن.
سطو على الاختصاصات
بتاريخ 26 نونبر 2018، عمدت شركة العمران الدار البيضاء بناء على القرار رقم 6540 الصادر عن مديرها إلى فسخ عقد الصفقة العمومية SOC/M/100/09 الذي يربط بينها وبين “ه.ب” وهو مهندس طوبوغرافي، ثم أسندت الصفقة إلى مهندس آخر بعدما أطلقت طلب عروض جديد، متجاوزة بذلك كل القوانين المنظمة للعقود والصفقات العمومية والتي لا يمكن أن تفسخ إلا بقرار قضائي، وهو ما يستخلص منه، واستنادا إلى الوثائق المتوفرة، أن شركة العمران قضت في موضوع من اختصاص الجهات المختصة قضائية باعتبار أن الأمر لايتعلق بصفقة عمومية وحدها بل بعقد خاص لا يفسخ إلا بقرار قضائي.
ورغم أن “ه.ب” المهندس أنجز جميع الأشغال في حينها ودون تأخير، وفق ما تبينه الوثائق والمستندات التي تتوفر عليها “العمق”، غير أن شركة العمران قامت بالسماح ببناء بقع بالتجزئة مما جعل من الملف التقني المنجز للتجزئة وهي عارية من البناء، غير مقبول من طرف مصلحة المسح العقاري كما هو ثابت من الخبرة القضائية والحكم القضائي رقم 1942 الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 25 شتنبر 2019 لمخالفته لوثائق التعمير، كما صدر قرار من وكالة المحافظة العقارية على شكل محضر تسوية مخالفة التعمير بتاريخ 29 مارس 2018 عاين مخالفات شركة العمران.
إقدام شركة العمران على فسخ عقد الصفقة من تلقاء نفسها والعقد الخاص، وخارج الضوابط القانونية المعمول بها، دفع المهندس “ه.ب” الذي حصل على الصفقة في سنة 2009 والذي نفذ كل التزاماته دون أي خطأ أو إخلال أو تأخير، إلى أن يتقدم بدعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، وصدر الحكم ابتدائيا لصالحه حيث قضى حكم المحكمة الإدارية بإلغاء قرار فسخ عقد الصفقة، واستأنفت العمران الحكم.
أخطاء جسيمة
قبل ذلك، تسببت العمران في تأخير مشروع تجزئة المنصورية لمدة تفوق سبع سنوات وارتكبت أخطاء جسيمة، وفق دفوعات المهندس “ه.ب” حيث قامت بإدخال تغييرات على الشروط التعاقدية المنصوص عليها في دفتر الشروط الخاصة.
وبحسب تقرير الخبرة ودفوعات المهندس “ه.ب”، فقد بقي في ذمة العمران 204998 درهما من الأشغال المنجزة في الصفقة، بالإضافة إلى 3 ملايين درهم قيمة الأشغال الإضافية الخارجة عن عقد الصفقة، وفق مطالب المهندس الذي أنجز الأشغال.
وبحسب ما ورد في دفوعات المهندس “ه.ب”، فإن استحالة إنجاز ما تم الاتفاق عليه في عقد الصفقة سببه هو تشييد بنايات فوق بقع التجزئة وسببه التغييرات التي أدخلتها شركة العمران على شروط إنجاز الصفقة.
الوضع الجديد للتجزئة والتغييرات التي لحقتها، دفعت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية إلى فرض إنجاز ملف تقني جديد لتجزئة المنصورية على شركة العمران، بما يعكس حالة العقار وإنجاز تصاميم للبقع تظهر فيها البنايات المشيدة، وهو الأمر الذي وافقت عليه العمران والتزمت بإنجاز ملف تقني جديد يعكس حالة العقار، التزام تحول إلى أمر وجهه عضو بمجلس الإدارة الجماعية لمجموعة العمران إلى شركة العمران الدار البيضاء.
وجاء فيه: “مما اضطر شركة العمران الدار البيضاء إلى إبرام عقد جديد وهو “عقد المهندس المساح الطبوغرافي” المبرم خارج الصفقة العمومية SOC/M/100/09 وهو العقد (أي عقد المهندس المساح الطبوغرافي) المبرم وفق القانون الخاص الذي لا تتمتع فيه شركة العمران بامتيازات السلطة العمومية التي تمكنها من الفسخ بطريقة انفرادية أحادية بل يجب أن تلجأ للقضاء لفسخه”.
وبالنسبة لـ “عقد المهندس المساح الطبوغرافي” (contrat de l’ingénieur topographe géomètre) الذي أمضى عليه مدير العمران الدار البيضاء فقد حددت المادة 4 منه الأتعاب الواجب أدائها للمهندس (خارج الصفقة العمومية SOC/M/100/09) حسب دليل أتعاب الهيئة والذي تبلغ قيمة أشغاله أزيد من 207 مليون سنتيم كما تضمنه أمر قضائي استجواب رئيس مصلحة المسح العقاري. ومما جاء في الأمر القضائي عدد 616 الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 01 يوليوز 2019، أن “شركة العمران قامت بتغيير وضعية العقار وقامت ببناء المئات من البقع واستحال عليها استخراج الرسوم العقارية الخاصة بتلك البقع مما اضطرها إلى التعاقد معه خارج الصفقة المشار إليها، إذ أبرمت معه عقدا مستقلا عن الصفقة المذكورة وذلك من أجل انجاز ملف تقني جديد لسنة 2018 يحين من خلاله حالة العقار الذي أصبحت المئات من بقع مبنية بحيث يتعلق الأمر بإنجاز ملف تقني لتجزئة المنصورية على شكل أرض مبنية وذلك استجابة لشرط الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطي”.
وجاء في الأمر القضائي أيضا: “هكذا قام المهندس بإنجاز الملف التقني الجديد لتجزئة المنصورية وأودعه لدى مصلحة المسح العقاري بابن سليمان ثم اجتاز جميع مراحل المراقبة ولم ينقصه إلا إمضاء شركة العمران على محاضر التحديد، وقد تم تحديد أتعاب هذا الملف التقني الجديد في مبلغ 2.072.000 درهم وهي أتعاب اعترفت بها شركة العمران غير أن هذه الأخيرة قد حاولت إخفاء هذا العقد الجديد وتزوير الحقيقة للقول أن العلاقة الوحيدة التي تربطها به هو عقد الصفقة رقم SOC/M/100/09 وأن فسخها لهذه الصفقة يجعلها في حل من أي التزام وبالتالي يمكن لها التعاقد مع مهندس آخر وهو ما قامت به فعلا..”.
وبعد أن فسخت عقد الصفقة الأولى مع المهندس “ه.ب” أطلقت طلب عروض جديد عدد 08 /19 فاز به مهندس آخر، وذلك بالرغم من البند 6 من العقد المبرم يقيد شركة العمران ويمنعها من التعاقد مع مهندس آخر في مشروع تجزئة المنصورية إلا بالحصول على تنازل المهندس “ه.ب” الفائزة بالصفقة الأولى قبل فسخها من طرف العمران.
امتناع وتحايل
على ذلك الأساس امتنعت شركة العمران عن الإمضاء على محاضر التحديد لبقع تجزئة المنصورية procès verbaux de bornages اللازمة للحصول على الرسوم العقارية لكل بقعة من بقع تجزئة المنصورية حسب المادة 17 من الرسوم 2.13.18 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ودفعها إلى تزوير الأمر بالخدمة عدد 6039 (متعلق بالصفقة العمومية SOC/M/100/09) لإلحاق الملف التقني المنجز طبقا للعقد “عقد المهندس المساح الطبوغرافي” بالصفقة العمومية SOC/M/100/09 حتى تتمكن من إلغاء إيداع الملف التقني المذكور لدى مصلحة المسح العقاري وتعويضه بملف مهندس آخر، حتى تتحلل بذلك من جميع التزاماتها مع المهندس “ه.ب” وتتهرب من أداء ما يناهز 5 ملايين درهم التي تخلدت بذمتها سواء تعلق الأمر بأشغال ثابتة بعقود وسندات طلب أو بأشغال إضافية طلبتها من المهندس “ه.ب” واستفادت منها واعترفت له بها في إجتماعات وبوثيقة رسمية “مذكرة توضيحية” لتنكر العمران فيما بعد هذه الأشغال بغرض التهرب من أداء قيمتها